سورة الإسراء

مقدمة

سورة بني إسرائيل ، مكية كلها ، إلا هذه الآيات ، فإنهن مدنيات

 وهي قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق [ آية : ٨٠ ] الآية . وقوله تعالى : إن الذين أوتوا العلم من قبله إلى

قوله : خُشوعاً [ آية : ١٠٧ - ١٠٩ ]

 وقوله تعالى : إِن ربكَ أَحاط بالناس . . . [ آية : ٦٠ ] الآية .

وقوله تعالى : وإن كادوا ليفتنونك . . . [ آية : ٧٣ ] الآية .

 وقوله تعالى : ولولا أن ثبتناك . . . [ آية : ٧٤ ، ٧٥ ] الآيتين .

 وقوله تعالى : وَإن كادواْ ليستفزونك من الأرض . . . [ آية : ٧٦ ] الآية عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية .

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

الإسراء : ١ سبحان الذي أسرى . . . . .

 سُبحانَ ، يعنى عجب الذي أَسرى بِعبدِهِ ، في رجب ، يعنى النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

 ليلاً منَ المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصا ، يعنى بيت المقدس ، قبل الهجرة بسنة ،

وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة ، وعرضت على النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أنهار : نهر من

لبن ، ونهر من عسل ، ونهر من خمر ، فلم يشرب النبي صلى اللّه عليه وسلم الخمر ، فقال جبريل : أما إن

اللّه حرمها على أمتك الذي باركنا حَولهُ ، يعنى بالبركة الماء ، والشجر ، والخير ،

 لنريهُ من ءايتنا ، فكان مما رأى من الآيات البراق ، والرجال ، والملائكة ، وصلى

بالنبيين تلك إِنهُ هُو السَّميع البَصيرُ [ آية : ١ ] .

وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة ، فقال لأم هانئ ابنة أبي

طالب ، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي : لقد رأيت الليلة عجباً ، قالت : وما

ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ،

وصليت فيما بينهما في بيت المقدس ، فقالت : وكيف فعلت ؟ قال : أتاني جبريل ، عليه

السلام ، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام ، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب ،

وميكائيل ، عليه السلام ، بالباب معه دابة ، فوق الحمار ودون البغل ، ووجهها كوجه

الإنسان ، وخدها كخد الفرس ، وعرفها كعرف الفرس ، بلقاء ، سيلاء ، مضطربة الخلق ،

لها جناحان ، ذنبها كذنب البقر ، وحافزها كأظلاف البقر ، خطوها عند منتهى بصرها ،

كان سليمان بن داود ، عليه السلام ، يغدوا عليها مسيرة شهر ، فحملاني عليها ، ثم أخذا

يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس ، ومثل لي النبيون ، فصليت بهم ، ورأيت ورأيت .

فلما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقوم فيخرج ، أخذت أم هانئ بحبرته ، قالت : أين تخرج ؟ قال :

أخرج إلى قريش ، فأخبرهم بالذي رأيت ، فقالت : لا تفعل ، فواللّه ليجتر أن عليك

المكذب ، وليمترين فيك المصدق ، قال : وإن كذبوني لأخرجن ، ونزع يدها من حبرته ،

فخرج إلى المسجد ، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر ، فقام عليهم ،

فقال : ألا أحدثكم بالعجب ؟ ،   أخبرنا ، فإن أمرك كله عجب ، قال : لقد صليت

في هذا الوادي صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس ، ومثل لي

النبيون ، فصليت بهم وكلمت بعضهم ، فصدقه المؤمنون ، وكذبه المشركون .

فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا

لن أكون ذلك اليوم جزعاً ، فأخذك بيدي أخذاً ، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ،

ورجعتك من ليلتك ، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس ، أشهد أنك

كذاب ساحر ، فبينما هم كذلك ، إذ جاء أبو بكر الصديق ، رضوان اللّه عليه ، فقالت

قريش : يا أبا بكر ، ألا تسمع ما يقول صاحبك ، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر

بمكة ، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس ، قال أبو بكر الصديق ، رضي اللّه عنه : إن كان

قال ذلك ، فقد صدق .

وقال أبو بكر ، رضي اللّه عنه ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم : بأبي أنت وأمي ، حدثني عن باب بيت

المقدس ، وعن البيت ، وعن سواريه ، وعن الصخرة ، وعن هذا كله ، فأخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

فألتزمه أبو بكر ، فقال : أشهد أنك صادق ، فسمى يومئذ الصديق ، اسمه : عتيق بن عثمان

ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة ، فقال المسلمون : يا رسول اللّه ، كيف رأيت

الأنبياء ، عليهم السلام ؟ قال : رأيت عيسى ابن مريم صلى اللّه عليه وسلم رجلاً أبيض ، فوق الربعة ،

ودون الطويل ، ظاهر الدم ، عريض الصدر ، جعد الرأس ، يعلوه صهوبة ، أشبه الناس بعروة بن معتب الثفي .

ورأيت موسى ، عليه السلام ، رجلاً طويلاً ، آدم شديد الأدمة ، ضرب اللحم ، سبط

الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة ، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما ، ورأيت

إبراهيم عليه السلام ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم ،

ورأيت الدجال ، رجلاً جسيماً ، لحيماً ، آدم ، جعد الرأس ، كث اللحية ، ممسوح العين ،

أحلى الجبهة براق الثنايا ، مكتوب بين عينيه كافر ، شبيه بفطن بن عبد العزى .

ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، والحارث بن كعب

ابن عمرو ، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار ، يعنى أمعاءهما ، قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولم ؟

قال : لأنهما أول من سيبا السائبة ، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام ، وأول من سميا اللات

والعزى ، وأمرا بعبادتهما ، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم ، عليه السلام ، ونصبا الأوثان

حول الكعبة ، فأما عمرو بن ربيعة ، فهو رجل قصير ، أشبه الناس به هذا ، يعنى أكثم بن

الجون الخزاعي ، فقال أكثم : يا رسول اللّه ، أيضرني شبهه ؟ قال : لا أنت مؤمن وهو

كافر .

فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي : عجلت على ابن أخيك ، ثم قال كهيئة

المستهزئ : رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا ، هل رأيتها في الطريق ؟ قال : نعم ،

قال : فأين رأيتها ؟ قال : رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولاً ، قد ضلت لهم ناقة ، وهم

في طلبها ، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم ، فوجدت في إناء لهم ماء ، فشربت

منه وتوضأت ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ،   هذه آية .

قال : ومررت على عير بني فلان ، في وادي كذا وكذا ، في ساعة كذا وكذا من

الليل ، ومعي جبريل وميكائيل ، عليهما السلام ، فنفرت منا إبلهم ، فوقعت ناقة حمراء

فانكسرت ، فهم يجبرونها ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ،   نعم ، هذه آية ،

قال رجل منهم : فأين تركت عيرنا ؟ قال : تركتها بالتنعيم قبيل ، قال : فإن كنت

صادقاً ، فهي قادمة الآن ، قال : نعم ، قال : فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها ، قال :

كنت عن ذلك مشغولاً ، غير أن برنساً كان لهم على البعير الذي يقدم الركب ، فسقط

البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه ، فوضعه على آخر الركب ، فاسألوهم إذا أتوكم

هل كان ذلك .

فبينا هو صلى اللّه عليه وسلم يحدثهم ، إذ مثل اللّه عز وجل له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها

ومن فيها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : أين السائل آنفاً عن إبله ، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا

وكذا ، ويقدمها جمل أورق ، وهي قادمة الآن ، فانطلقوا يسعون ، فإذا هي منحدرة من

عتبة التنعيم ، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال المشركون : لقد

صدق الوليد بن المغيرة ، إن هذا لساحر مبين ، وما يجري محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى

تقدم عيرنا ، وما حالها وأحمالها ومن فيها ، فكفوا بعض الأذى سنة .

﴿ ١