١١

المدثر : ١١ ذرني ومن خلقت . . . . .

 ذرني ومن خلقت وحيدا [ آية : ١١ ] يعني الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان يسمى الوحيد في قومه ، وذلك أن اللّه عز وجل أنزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم  حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم غافر الذنب وقابل الثوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير [ غافر : ١ - ٣ ] .

فلما نزلت هذه الآية قام النبي صلى اللّه عليه وسلم في المسجد الحرام فقرأها والوليد ابن المغيرة قريباً منه يستمع إلى قراءته ، فلما فطن صلى اللّه عليه وسلم أن الوليد بن المغيرة يستمع إلى قراءته أعاد النبي صلى اللّه عليه وسلم

يقرأ هذه الآية : حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز في ملكه العليم بخلقه

 غافر الذنب لمن تاب من الشرك وقابل التوب لمن تاب من الشرك ،

 شديد العقاب لمن لم يتب من الشرك ذي الطول يعني ذي الغنى عمن لم

يوحد ، ثم وحد - الرب نفسه حين لم يوحده كفار مكة ، فقال : لا إله إلا هو إليه المصير يعني مصير الخلائق في الآخرة إليه ، فلما سمعها الوليد انطلق حتى أتى مجلس بني مخزوم ، فقال : واللّه ، لقد سمعت من محمد كلاماً آنفاً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ، وأن أسفله لمعرق ، وأن أعلاه لموفق ، وأن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وأنه ليعلو وما يعلى .

ثم انصرف إلى منزله ، فقالت قريش : لقد سبأ الوليد ، واللّه لئن صبأ لتصبون قريش كلها ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق أبو جهل حتى دخل على الوليد ، فقعد إليه كشبه الحزين ، فقال له الوليد : ما لي أراك يا ابن أخي حزيناً ؟ فقال أبو جهل : ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك على كبرك ، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه ، فغضب الوليد عند ذلك ، وقال : أو ليس قد علمت قريش أني من أكثرهم مالاً وولداً ، وهل يشبع محمد وأصحابه من الطعام ، فيكون لهم فضل ؟ فقال أبو جهل : فإنهم يزعمون أنك إنما زينت قول محمد من أجل ذلك .

فقام الوليد فانطلق مع أبي جهل ، حتى أتى مجلس قوه بني مخزوم ، فقال : تزعمون أن محمداً كاهن ، فهل سمعتموه يخبر بما يكون في غد ؟   اللّهم لا ، قال : ويزعمون أن محمداً شاعر ، فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط ؟   اللّهم لا ، قال : وتزعمون أن محمدً كذاب ، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط ؟   اللّهم لا ، وكان يسمى محمد صلى اللّه عليه وسلم قبل النبوة الأمين ، فبرأه من هذه المغالة كلها .

فقالت قريش : وما هو أبا المغيرة ؟ فتفكر في نفسه ما يقول عن محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم نظر فيما يقول عنه ، ثم عبس وجهه ، ويسر يعني وكلح ، فذلك قوله عز وجل : إنه فكر وقدر ، وما يقول لمحمد ، فقدر له السحر ، يقول اللّه تبارك وتعالى : فقتل يعني لعن كيف قدر لمحمد صلى اللّه عليه وسلم السحر ، ثم نظر ، ثم عبس ، يقول : كلح وبسر ، يعني وتغير لونه يعني أعرض عن الإيمان واستكبر عنه فقال الوليد لقومه : إ ن هذا الذي يقول محمد إلا سحر يؤثر فقال له قومه وما السحر يا أبا المغيرة ؟ وفرحوا ،

فقال : شئ يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الاثنين ومحمد يأثره ، ولما يحذفه بعد وأيم اللّه ، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله ، وبين فلان وبين أبيه ، وبين فلان وبين أخيه ، وبين فلان وبين مولاه ، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر عن مسليمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول : يرويه عنه ، فذلك

قوله : إن هذا إلا سحر يؤثر يقول : إن هذا الذي يقول محمد إلا قول بشر .

قال الوليد بن المغيرة : عن يسار أبي فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة الكذاب ،

فجعل اللّه له سقر ، وهو الباب الخامس من جهنم ، فلما قال ذلك الوليد شقى ذلك على النبي صلى اللّه عليه وسلم ما لم يشق عليه ، فيما قذف بغيره من الكذب ، فأنزل اللّه تعالى على نبيه صلى اللّه عليه وسلم

يعزيه ليصبر على تكذيبهم ، فقال : يا محمد كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون [ الذاريات : ٥٢ ] ، وأنزل في الوليد بن المغيرة : ذرني ومن خلقت وحيدا يقول : خل بيني يا محمد ، وبين من خلقت وحيداً ، يقول : حين لم يكن له

مال ولا بنون ، يعني خل بيني وبينه ، فأنا أتفرد بهلاكه ، وأما الوليد ، يعني خلقته ليس له شئ ، يقول عز وجل فأعطيته المال والولد .

﴿ ١١