مشكل إعراب القرآن

أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار

القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي

ابن أبي طالب المالكي

(ت ٤٣٧ هـ ١٠٤٦ م)

_________________________________

 الكتاب عبارة عن تفسير مشكل الأعراب وذكر عللّه وصعبه ونادره ليكون خفيف المحمل سهل المأخذ قريب المتناول لمن أراد حفظه والاكتفاء به فليس في كتاب اللّه عز وجل إعراب مشكل إلا وهو منصوص أو قياسه موجود فيما ذكره المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين أخبرنا الشيخ الإمام صابر الدين أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي قال أنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب اجازة قال حدثني الفقيه المقرىء أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي رضي اللّه عنه قراءة مني عليه في أصله وهو يسمع قلت رضى اللّه عنك أما بعد حمد اللّه جل ذكره والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد صلى اللّه عليه وعلى آله فإني رأيت أفضل علم صرفت إليه الهمم وتعبت فيه الخواطر وسارع إليه ذوو العقول علم كتاب اللّه تعالى ذكره إذ هو الصراط المستقيم والدين المبين والحبل المتين والحق المنير ورأيت من أعظم ما يجب على الطالب لعلوم القرآن الراغب في تجويد ألفاظه وفهم معانيه ومعرفة قراءاته ولغاته وأفضل ما القارىء إليه محتاج معرفة إعرابه والوقوف على تصرف حركاته وسواكنه يكون بذلك سالما من اللحن فيه مستعينا على أحكام اللفظ به مطلعا على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات متفهما لما أراد اللّه به من عباده إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني وينجلي الإشكال فتظهر الفوائد ويفهم الخطاب وتصح معرفة حقيقة المراد وقد رأيت أكثر من ألف الإعراب طوله بذكره لحروف الخفض وحروف الجزم وبما هو ظاهر من ذكر الفاعل والمفعول وأسم إن وخبرها في أشباه لذلك يستوى في معرفتها العالم المبتدىء وأغفل كثيرا مما يحتاج إلى معرفته من المشكلات فقصدت في هذا الكتاب إلى تفسير مشكل الأعراب وذكر عللّه وصعبه ونادره ليكون خفيف المحمل سهل المأخذ قريب المتناول لمن أراد حفظه والاكتفاء به فليس في كتاب اللّه عز وجل إعراب مشكل إلا وهو منصوص أو قياسه موجود فيما ذكرته فمن فهمه كان لما هو أسهل منه مما تركت ذكره اختصارا أفهم ولما لم نذكره مما ذكرنا نظيره أبصر

وأعلم ولم أؤلف كتابنا هذا لمن لا يعلم من النحو إلا الخافض والمخفوض والفاعل والمفعول والمضاف والمضاف إليه والنعت والمنعوت في أشباه لهذا إنما ألفناه لمن شدا طرفا من وعلم ظواهره وجملا من عوامله وتعلق بطرف من أصوله وباللّه نستعين على ذلك وإياه أسأل التوفيق والأجر على ما توليته منه وهو حسبي ونعم الوكيل وصلوات على محمد المخصوص بالقرآن العظيم والسبع المثاني وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثير

سورة الحمد

 السورة يحتمل أن يكون معناها الرفعة من سورة البناء فكأنها منزلة شرف فلا يجوز همزها ويحتمل أن يكون معناها قطعة من القرآن من قولك أسأرت في الإناء أي أبقيت فيه بقية فيجوز همزها على هذا وقد أجمع القراء على ترك همزها فتحتمل الوجهين جميعا

١

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كسرت الباء من بسم اللّه لتكون حركتها مشبهة لعملها وقيل كسرت لتفرق بين ما يخفض ولا يكون إلا حر فا نحو الباء واللام وبين ما يخفض وقد يكون اسما نحو الكاف وإنما عملت الباء وأخواتها الخفض لأنها لا معنى لها إلا في الأسماء فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأسماء وهو الخفض وكذلك الحروف التي تجزم الأفعال إنما عملت الجزم لأنها لا معنى لها إلا في الأفعال فعملت الأعراب الذي لا يكون إلا الأفعال وهو الجزم وحذفت الألف من الخط في بسم اللّه لكثرة الاستعمال وقيل حذفت لتحرك السين في الأصل لأن أصل السين الحركة وسكونها لعلة دخلتها وقيل للزوم الباء هذا الاسم فأن كتبت بسم الرحمن أو بسم الخالق حذفت الألف أيضا عند الأخفش والكسائي وقال الفراء لا تحذف إلا في بسم اللّه فقط فان أدخلت على اسم اللّه غير الباء من حروف الخفض لم يجز حذف الألف عند أحد نحو قولك

ليس اسم كاسم اللّه وقولك لإسم اللّه حلاوة وموضع بسم موضع رفع عند البصريين على إضمار مبتدأ تقديره ابتدائي بسم اللّه فالباء على هذا متعلقة بالخبر الذي قامت الباء مقامه تقديره ابتدائي ثابت أو مستقر بسم اللّه أو نحوه ولا يحسن تعلق الباء بالمصدر الذي هو مضمر لأنه يكون داخلا في صلته فيبقى الابتداء بغير خبر وقال الكوفيون بسم اللّه في موضع نصب على إضمار فعل تقديره ابتدأت باسم اللّه فالباء على هذا متعلقة بالفعل المحذوف واسم أصله سمو وقيل سمو وهو عند البصريين مشتق من سما يسمو ولذلك ضمت السين في أصله في سم وقيل هو مشتق من سمي يسمى ولذلك كسرت السين في سم ثم حذف آخره وسكن أوله اعتلالا على غير قياس ودل على ذلك قولهم‏‏‏ سمي في التصغير وجمعه أسماء وجمع أسماء أسامي وهو عند الكوفيين مشتق من السمة إذ صاحبه يعرف به وأصله وسم ثم أعل بحذف الفاء وحركت العين على غير قياس أيضا ويجب على قولهم‏‏‏ أن يصغر فيقال وسيسم ولم يقله أحد لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ولهم مقال يطول ذكره وقولهم‏‏‏ أقوى في المعنى وقول البصريين أقوى في التصريف وحذفت الألف في الخط من اسم اللّه استخفافا وقيل حذفت لئلا يشبه هجاء اللات في قول من وقف عليها بالتاء وقيل لكثرة الاستعمال وكذلك العلة في حذف ألف الرحمن والأصل في اسم اللّه عز وجل الاه ثم دخلت الألف واللام فصار الالاه فخففت الهمزة بأن ألقيت حركتها على اللام الأولى ثم أدغمت الأولى في الثانية ولزم الإدغام والحذف للتعظيم والتفخيم وقيل بل حذفت الهمزة حذفا وعوض منها الألف واللام ولزمتا للتعظيم وقيل أصله لاه ثم دخلت الألف واللام عليه فلزمتا للتعظيم ووجب ا لإدغام لسكون الأول من المثلين ودل على ذلك قولهم‏‏‏‏‏‏‏‏‏ لهي أبوك يريدون للّه أبوك فأخروا العين في موضع اللام لكثرة استعمالهم له ويدل عيه أيضا قوله لاه ابن عمك يريدون للّه وقد ذكر الزجاج في بعض أماليه عن الخليل أن أصله ولاه ثم أبدل من الواو همزة كأشاح ووشاح والألف في لاه منقلبة عن ياء دل على ذلك قولهم‏‏‏ لهي أبوك فظهرت الياء عوضا من الألف فدل على أن أصل الألف الياء وإنما أشبعنا الكلام في هذين الاسمين ليقاس عليهما شبههما مما لعلنا نغفل عن ذكره فكذلك نفعل في كل ما هو مثل هذا فاعلمه

﴿ ١