٣

قوله إما شاكرا وإما كفورا حالان من الهاء وسميع وبصير نعت لسميع وإما للتخيير على بابها ومعنى التخيير أن اللّه أخبرنا أنه اختار قوما للسعادة وقوما للشقاوة فالمعنى أن يخلقه إما سعيدا وإما شقيا وهذا من أبين ما يدل على أن اللّه تعالى قدر الاشياء كلها وخلق قوما للسعادة وبعملها يعملون وقوما للشقاوة وبعملها يعملون فالتخيير هو اعلام من اللّه تعالى أنه يختار ما يشاء ويفعل ما يشاء بجعل من يشاء شاكرا ومن يشاء كافرا وليس التخيير للانسان وقيل هي حال مقدرة والتقدير إما أن يحدث منه عند فهمه الشكر فهو علامة السعادة وإما أن يحدث منه الكفر وهو علامة الشقاوة وذلك كله على ما سبق في علم اللّه تعالى فيهم وأجاز الكوفيون أن تكون ما زائدة وإن للشرط ولا يجوز هذا عند البصريين لأن إن التي للشرط لا تدخل على الأسماء إذ لا يجازى بالأسماء إلا أن تضمر بعد إن فعلا فيجوز نحو قوله تعالى وإن أحد من المشركين فاضمر استجارك بعد إن ودل عليه استجارك الثاني فحسن حذفه ولا يمكن اضمار فعل بعد ان هاهنا لأنه يلزم رفع شاكر وكفور بذلك الفعل وأيضا فانه لا دليل على الفعل المضمر في الكلام وقيل في الآية تقديم وتأخير والتقدير انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه إما شاكرا وإما كفورا فجعلناه سميعا بصيرا فيكونان حالين من الانسان على هذا وهو قول حسن فلار تخيير للانسان في نفسه قوله سلاسلا وقواريرا أصله كله أن لا ينصرف لأنه جمع والجمع ثقيل ولأنه لا يجمع فخالف سائر الجمع ولأنه لا نظير له في الواحد ولأنه غاية الجموع إذ لا يجمع فثقل فلم ينصرف فأما من صرفه من القراء فإنها لغة لبعض العرب حكى الكسائي أنهم يصرفون كل ما لا ينصرف الا أفعل منك وقال الأخفش سمعنا من العرب من يصرف هذا وجميع مالا ينصرف وقيل انما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف فصرفه على الاتباع لخط المصحف وانما كتب في المصحف بألف لأنها رؤوس الآي فأشبهت القوافي والفواصل التي تزاد فيها الألف للوقف وقيل انما صرفه لأنه جمع كسائر الجموع قد جمعه بعض العرب كالواحد فانصرف كم ينصرف الواحد ألا ترى الى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لحفصة أنكن لأنتن صواحبات يوسف فجمع صواحب بالألف والتاء كما يجمع الواحد فانصرف كما ينصرف الواحد وحكى الأخفش مواليات فلان فجمع موالي فصار كالواحد وأنشد النحويون للفرزدق

 وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم  خضع الرقاب نواكس الأبصار 

ورووه بكسر السين من نواكس جعلوه جمع نواكس بالياء والنون فحذفت النون للاضافة والياء لالتقاء الساكنين وبقييت السين مكسورة في اللفظ فدل جمعه على أنه يجمع كسائر الجموع والجموع كلها منصرفة فصرف هذا أيضا على ذلك

﴿ ٣