١١١

قوله تعالى: { إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } الآية: ١١١

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: سمعت ابن عطاء

يقول: في قوله: { إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } قال: نفسك موضع كل

شهوة وبلية ومالك محل كل إثم ومعصية، فأراد أن يزيل ملكك عما يضرك، ويعوضك عليه ما ينفعك عاجلا وآجلا.

قال سهل: لا نفس للمؤمن إنها دخلت في البيع من اللّه، فمن لم يبع من اللّه حياته الفانية كيف يعيش مع اللّه ويحيا حياة طيبة قال اللّه عز وجل: { إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم }.

قال جعفر في قوله: { إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم } قال: مكر بهم على لسان

الحقيقة وعلى لسان المعاملة اشترى منهم الأجساد لمواضع وقوع المحبة من قلوبهم وأحياهم بالوصلة.

وقال بعضهم: من سمع الخطاب فانتبه له، كان كأبي بكر رضي اللّه عنه لما قيل له:

ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: اللّه ورسوله ' أي أبقيت لنفسي من لا يفنى ولا يزال باقيا.

فأبقى ببقائهما دون الأعراض التي هي عواري.

وقال بعضهم: اشترى منك ما هو محل الآفات والبليات وهو النفس والمال، وجعل

ثمنهما الجنة، فإن آنس قلبك كان الثواب عليه المشاهدة والقربة.

قال الحسين: نفوس المؤمنين نفوس أبية استرقها الحق فلا يملكها سواه.

قال النصرآباذي: سئل الجنيد رحمة اللّه عليه: متى أشتري؟ قال: حين لأمني أزال

عنهم العلل يزول ملكهم عن أنفسهم وأموالهم ليصلحوا المجاورة للحق ومخاطبته.

قال ابن عطاء: مكر بهم وهم لا يشعرون، لكن الكلام فيه من جهة المعاملة مليح

اشترى منهم الأجساد لمواضع وقوع المحبة من قلوبهم، فاجتباهم بالوصلة.

قال النصرآباذي: اشترى منك ما هو صفتك، والقلب تحت صفته فلم تقع عليه

المبايعة.

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن } قال:

مباينه منك

في الابتداء أوجبت المشاراة، ومن لم يباين الحق لم يقع عليه اسم الشراء ألا ترى أن

اللّه الكريم خاطب الكليم بقوله: { واصطفيتك لنفسي } فلا شراء ولا بيع ولا مباينة

بحال.

قال أبو عثمان: اشترى من المؤمنين أنفسهم، كي لا يخاصموا عنها، فإنها ليست

لهم، والإنسان لا يخاصم عما ليس له.

قال أبو بكر الوراق: اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ولا شيء يتقرب به العبد

إلى اللّه في أداء الأوامر والفرائض، إلا النفس والمال فاشترى منهم النفس والمال لئلا

ينظروا إلى ما يبدو منهم من أنواع القرب، لأنهم باعوا قبل فلا يعجبوا بشيء من

أفعالهم، ولا يفتخروا بشيء من طاعاتهم، لأن مواضعها النفس والمال، وليس لهم عليها

ملك، ومن لا يملك الأصل كيف يفتخر بالفرع.

قوله تعالى: { ومن أوفى بعهده من اللّه }.

قال الحسين: عهد الحق في الأزل إلى خواصه باختصاص خاصيته، خصهم بها من

بين تكوينه فأظهر آثار أنوار ذلك عليهم عند استخراج الذر، فرأى آدم الأنوار تتلألأ

فقال: من هؤلاء؟ ثم أظهر سمات ذلك حين أوجدهم، وهي آثار ذلك العهد الذي عهد

إليهم، فوفى لهم بعهودهم { ومن أوفى بعهده من اللّه } قال: { فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به }.

قال النصرآباذي: البشرى في هذا البيع أنه يوفي بما وعد، بأن لهم الجنة ويزيد لمن

يشاء، فضلا منه وكرما بالرؤية والمشاهدة ولو لم يكن فيه إلا مساواة المساومة لكان

عظيما، فكيف المبايعة والمشاراة.

﴿ ١١١