سورة القصص

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٤

قوله تعالى: { إن فرعون علا في الأرض } الآية: ٤

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: ادعى ما ليس فيه. قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه:

استكبر وافتخر بنفسه، ونسي عبوديته. قال بعضهم: اظهر الظلم في أهل مملكته.

٥

قوله تعالى: { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } الآية: ٥

قال الجنيد رحمة اللّه عليه في قوله: { ونجعلهم أئمة } الآية: ٥. قال: هداة نصحا

أخيارا أبرارا أتقياء نجبا سادة حكما كراما، أولئك الذين جعلهم اللّه اعلاما للخلق

منشورة، ومنارا للّهدى منصوبة، هم علماء المسلمين وأئمة المتقين بهم في شرائع الدين

يقتدى، وبنورهم في ظلمات الجهل يهتدي، وبضياء علومهم في المسلمات يستضاء،

جعلهم اللّه رحمة لعباده وبركة في أقطار بلاده يعلم بهم الجاهل، ويذكر بهم العاقل،

من اتبع آثارهم اهتدى ومن اقتدى بسيرتهم سعد أحياهم اللّه حياة طيبة، وأخرجهم منها على السلامة منها خواتيم لعودهم أفضلها، وآخر أعمالهم اكملها.

٧

قوله تعالى: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } الآية: ٧

قال: إذا خفت حفظه بواسطة فسلميه إلينا واقطعي عنه شفقتك وتدبيرك ليكون

مسلما إلى تدبيرنا فيه وحفظنا له.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: ما دمت تحفظ نفسك بتدبيرك فهي على شرف

الهلاك، فإذا زالت عنها تدبيرك وسلمتها إلى مدبرها حينئذ يرجى لها الخلاص.

سمعت أبا عبد اللّه الحسين بن أحمد الرازي يقول: سألت أبا عمران فقلت فقير عقد

على نفسه عقدا؟ قال: يمضي في عقده فقلت: إذا لحقه عجز؟ قال: لا يخطو مع

العجز خطوة فقلت: العقد يطالبه بإتمامه وهو يخاف من عجزه. فقال أبو عمران قال اللّه

قوله تعالى: { فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } الآية: ٧

قال بعضهم: الوحي على وجوه، منها المشافهة خص بها محمد وموسى عليهما السلام، ومنها وحى الوسائط وهو لسائر الأنبياء عليهم السلام ومنها وحى الإلهام كما كان للنجلة، ومنها وحى القذف والإلقاء كما قال اللّه تعالى: { وإذ أوحيت إلى الحواريين }، وقوله: { وأوحينا إلى أم موسى } الآية: ٧ ألقى في قلوبهم.

قوله تعالى: { ولا تخافي ولا تحزني } الآية: ٧

قال ابن طاهر: لا تخافي خلفة الوعد، ولا تحزني على غيبوبة الولد. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الذي حفظه في اليم قادر أن يصرف عنه همة فرعون.

٨

قوله تعالى: { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } الآية: ٨

قال سهل: التقطه آل فرعون ليكون لهم فرحا وسرورا، ولم يعلموا ما أضمرت

القدرة فيه من تصييره لهم عدوا وحزنا.

٩

قوله تعالى: { وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك } الآية: ٩

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: قرة عين لي إشارة إلى الحق ولك لا لأنك أشركت وكفرت.

١٠

قوله تعالى: { أصبح فؤاد أم موسى فارغا } الآية: ١٠

من الاهتمام بموسى لما أيقنت من ضمان اللّه تعالى لها فيه.

قوله تعالى: إنا رادوه إليك) { ) { إن كادت لتبدي به } الآية: ١٠

أي تظهر ما أوحى إليها في السر من حفظه ورده إليها في السر من حفظه ورده إليها

ومنع أيدي الظلمة عنه.

وقال بعضهم: أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الاهتمام بموسى.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الأشغال كلها

والوجد على ولدها لما ثبت عندها من صدق الوعد إن كانت لتبدي بما وعد اللّه لها فيه.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: فارغا من كل

شيء سوى ذكر موسى، وهذا الذي أوجب على الوالدين كتمان وجدهم على أولادهم

ما استطاعوا فإذا صاروا مغلوبين كشف أحوالهم حينئذ.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا العباس المطرز يقول: سمعت فياض

يقول: الصدر معدن الرأفة والقلب معدن الصحة والفؤاد برزخ بين الصدر والقلب

والقلب معدن الأنوار.

قوله تعالى: { لولا أن ربطنا على قلبها } الآية: ١٠

قال ابن عطاء: لولا ما أمرناها به من الكتمان بحالها لأظهرت ما ضمن اللّه تعالى لها

لموسى.

قال بعضهم: لولا أن أيدناها بالتوفيق والصبر لأبدت ما في ضميرها من الوجد

بولدها.

قال جعفر الصادق رحمة اللّه عليه: الصدر معدن التسليم، والقلب معدن اليقين،

والفؤاد معدن النظر، والضمير معدن السر، والنفس مأوى كل حسنة وسيئة.

وقال يوسف بن الحسين: أمرت أم موسى بأمرين ونهيت عن نهيين وبشرت ببشارتين

فلم ينفعها ذلك دون الربط على القلب.

 قال اللّه تعالى: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه } الآية: ٧

{ ولا تخافي ولا تحزني } الآية: ٧. نهيين. { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)

*

الآية: ٧. بشارتين، لم تغن عنها هذه الأسباب حتى تولى اللّه حياطتها قال اللّه تعالى:

 { لولا أن ربطنا على قلبها } الآية: ١٠

١٢

قوله تعالى: { وحرمنا عليه المراضع من قبل } الآية: ١٢

قال بعضهم: إشارة إلى المعارف فإنه لا يصلح لبساط القربة من لم يكن مرضعا

رضاعة الأنس فمن كان رضيع مخالفة أو رضيع وحشة فإنه لا يصلح لبساط القربة الا

ترى الكليم صلى اللّه عليه وسلم لما كان فيه تدبير الخصوصية كيف حرمت عليه المراضع

وكان رضيع

الكلاءة والولاية إلى أن احضر محل المواجهة بالكلام قال اللّه تعالى: { وحرمنا عليه المراضع من قبل }.

١٤

قوله تعالى: { ولما بلغ أشده واستوى } الآية: ١٤

قال الجنيد رحمة اللّه عليه، لما تكامل عقله وصحت بصيرته وحصلت نحيرته وآن

أوان خطابه آتيناه حكما بيانا في نفسه وعلما بما يتجدد عنده من موارد الزوائد عليه من

ربه.

١٧

قوله تعالى: { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } الآية: ١٧

قال ابن عطاء: العارف بنعم اللّه من لا يوافق من خالف ولى نعمته والعارف بالمنعم

من لا يخالفه في حال من الأحوال.

١٨

قوله تعالى: { فأصبح في المدينة خائفا يترقب } الآية: ١٨

سمعت النصرآباذي يقول: كان خوفه خوف التسليط.

وقال ابن طاهر: خائفا على قومه يترقب لهم الهداية من اللّه.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: خرج منها خائفا من قومه يترقب مناجاة ربه، وقال:

خائفا على نفسه يتقرب نصرة ربه.

قال بعضهم: مستوحشا من الوحدة يطلب من يستأنس به.

قال بعضهم: خائفا على نفسه ينتظر الكفاية.

٢٢

قوله تعالى: { ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل }

الآية: ٢٢

قال جعفر: توجه بوجهه إلى ناحية مدين وتوجه بقلبه إلى ربه طالبا منه سبيل

الهداية فأكرمه اللّه بالكلام، وكل من اقبل على اللّه بالكلية فإن اللّه يبلغه مأموله.

قال أبو سعيد الحراز حملته أنوار الفراسة وتدابير المكالمة فيه فصادف بها شعيبا صلى

اللّه عليهما وكان في لقائه أوائل البركات.

٢٣

قوله تعالى: { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة } الآية: ٢٣

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الوارد يطلب المفالته لثقل الخدمة والقاد يطلب اللقاء

والظفر.

وقال أبو بكر بن طاهر: ورد في الظاهر ماء مدين وورد في الحقيقة على مالك مياه

الأنس وبساتين المعرفة. فوجد عليه أمة أي خواصا من العباد يرتعون في تلك الميادين

فشرب معهم من تلك المياة شربة أورثته شرب ذلك الماء الثبات في حالة المخاطبة.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: وقد سئل عن

قوله: { ولما ورد ماء مدين } كان متوجها إلى ربه مفارقا لما دونه قد أثرت فيه المحن

وأنكأ فيه الضر ثم تولى إلى الظل إلى الاستراحة إلى الحق فلما طال عليه البلاء آنس

بالشكوى وقال: { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } الآية: ٢٤  يناجيه بلسان

الافتقار وليس في الشكوى إلى المحبوب نقص.

٢٤

قوله تعالى: { فسقى لهما ثم تولى إلى الظل } الآية: ٢٤

قال أبو بكر بن طاهر: قضى عليه ما عليه من حق النصيحة للخلق والاهتمام بهم

{ ثم تولى إلى الظل } ثم رجع إلى اليقين والتوكل وقال: { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } إني لما أبديت إلى من غناك وعنايتك وفضلك فقير إلى أن تغنيني بك عن كل من

سواك.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: نظر من العبودية إلى الربوبية فخشع وخضع وتكلم

بلسان الافتقار بما ورد على سره من أنوار الربوبية فافتقاره افتقار العبد إلى مولاه في

جميع أحواله لا افتقار سؤال ولا طلب.

قال أبو عثمان عرض عن السؤال بإظهار الحال والإخبار عنه.

قال الحسين: إني لما خصصتني من علم اليقين فقير إلى أن تردني إلى عين اليقين

وحقه.

وقال جعفر: فقير إليك طالب منك زيادة الفقر إليك لأني لم استغن عنك بشيء

سواك.

وقال أيضا: فقير في جميع الأوقات غير راجع إلى الكرامات والآيات دون الفقر

إليك والإقبال عليك.

وقال فارس: { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال: فقير إلى الطريق إلى قربك.

وقال أيضا: إني لما اعرفه من حسن اختيارك لي مفتقر ومحتاج إلى أن ترضيني

بقضائك وقدرك فآنس به.

وقال أبو سعيد الخراز: الخلق مترددون بين ما لهم وبين ما إليهم فمن نظر إلى ماله

تكلم بلسان الفقر ومن شاهد ما إليه تكلم بلسان الخيلاء والفخر ألا ترى إلى حال

الكليم عليه السلام لما شاهد خواص ما خصه به الحق كيف قال: { أرني أنظر إليك }

ولم يحتشم ولما نظر إلى نفسه كيف اظهر الفقر فقال: { إني لما أنزلت إلي من خير فقير }.

سمعت النصرآباذي يقول في قوله: { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال: لم يسأل

الكليم الخلق وإنما سؤاله من الحق، لم يسأل غذاء النفس وإنما سال سكون القلب.

وقال: يجب أن يكون للإنسان ملجأ يلتجئ إليه وقت فراغه من كمله ثم ينظر بعد

ذلك إلى فعله فمن رأى فعله وعيب تقصيره فهو حسن، ومن رأى فضل اللّه عليه أن

أهله لخدمته فهو أحسن وفي الجملة رؤية المنة أعظم من رؤية التقصير.

وقال بعضهم: إني لما عودتني من جميل الإحسان على الدوام فقير إلى شفقتك

ونظرك بعين الرعاية والكلاية إلى لتردني من وحشة المخالفين إلى أنس الموافقين فورثه

اللّه تعالى ذكره صحبة شعيب وأولاده عليهم السلام.

٢٥

قوله تعالى: { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } الآية: ٢٥

قال أبو بكر بن طاهر: إتمام إيمانها وشرف عنصرها وكريم نسبها أتته على استحياء،

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' الحياء من الإيمان '.

قال بعضهم: لفتوتها أتته على استحياء لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم

ايجيبها أم لا فأتته على استحياء.

٢٦

قوله تعالى: إن خير من استأجرت القوى الأمين } الآية: ٢٦

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: القوى في دينه الأمين في جوارحه.

٢٩

قوله تعالى: { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } الآية: ٢٩

قال ابن عطاء: لما تم له اجل المحبة ودنا أيام القربة والزلفة وإظهار أنوار النبوة عليه

سار بأهله ليشترك معه في لطائف الصنع.

قوله تعالى: { آنس من جانب الطور نارا } الآية: ٢٩

قال جعفر: أبصر نارا دلته على الأنوار لأنه رأى النور على هيئة النار، فلما دنا منها

شملته أنوار القدس وأحاط به جلاليب الأنس فخوطب بألف خطاب واستدعى منه

أحسن جواب فصار ملكا شريفا مقربا أعطى ما سأل وأمن مما خاف، وذلك قوله:

{ آنس من جانب الطور نارا }.

قوله تعالى: { إني آنست نارا } الآية: ٢٩

قال أبو بكر بن طاهر: آنس سره برؤية النار لما كان فيه من عظيم الشأن، وعلو

المرتبة فأخرج الرؤية بلطف، آنست أي أرى هذه النار مستأنس بها لا مستوحش منها

فدنى منها فآنسه طهارة الموضع وما سمع فيه من مناجاة ربه وكلامه فتحقق بالانس.

٣٠

قوله تعالى: { فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة }

الآية: ٣٠

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الوسائط في الحقيقة لا أوزان لها ولا اخطار وإنما هي

علل لضعف الطاقات، كما جعل الوسائط بين موسى وبين الشجرة ناداه في البقعة

المباركة من الشجرة أن يا موسى ثم رفع الواسطة ثانيا فقال: { يا موسى إني اصطفيتك)

.*

قال القاسم: نودي من شاطئ الواد الأيمن لما سمع موسى الكلام خر صاعقا فجاءه

جبريل وميكائيل فروحاه خروجه الأنس حتى افاق من الهيبة واستأنس بالانس مع اللّه

فزال الرعب والفزع من قلبه فقال له يا موسى أنا الذي أكلمك من علوي وأسمعك من

دنوي، ففي دنوى لا أخلوا من علوي وفي علوي لا أخلو من دنوي، يا موسى أنا اللّه

الذي أدنيتك وقربتك وناجيتك عند ذلك قال له موسى: أقريب أنت فأناجيك أم بعيد

فأناديك؟ قال له: أنا أقرب إليك منك.

قال أبو سعيد القرشي: ذكر الشجرة في وقت مخاطبته بالكلام ليطيق بذلك التعلل

حمل موارد الخطاب عليه، كما تعلل النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوله: ' حبب إلى من

دنياكم '. أي

لست منها ولا هي مني إنما لي منها تعلل أتحمل به موارد الوحي علي.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: الجبل الذي كلم اللّه

عليه موسى كان من عقيق.

سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: بلغني أن

موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب بم اتخذتني كليما؟ فأوحى اللّه تعالى ذكره

إليه تذكر يوما كنت ترعى غنما لشعيب فشردت منك شاة فعدت وغدوت على إثرها حتى

إذا لحقتها ضممتها إلى صدرك وبستها وقلت يا حبيبتي لقد أتعبتني وأتعبت نفسك،

فبرحمتك للبهيمة اصطفيتك في ذلك اليوم.

قال الكتاني رحمة اللّه عليه: ولم يبعث اللّه نبيا من أنبيائه حتى استرعاه البهائم قبلا

وينظر كيف رحمته بهم ثم بعثه إلى الخلق.

٣١

قوله تعالى: { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين } الآية: ٣١

قال سرى السقطي رحمة اللّه عليه: الخوف على ثلاثة أوجه خوف في الدنيا وهو

خوف العامة، وخوف عارض عند تلاوة القرآن، وخوف من عاجل ينحل القلب ويهدم

البدن ويذهب النوم وهو الخوف الحقيقي.

٣٤

قوله تعالى: { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا } الآية: ٣٤

قال أبو بكر بن طاهر: لأنه لم يسمع خطابك ولم يخاطبك فهو افصح مني لسانا مع

الخلق، كيف أكون معهم فصيحا وقد سمعت لذة كلامك؟ وكيف أخاطبهم مع

مخاطبتك أو كيف اجعل لهم وزنا مع ما أدنيتني وخصصتني به فهو افصح مني لسانا

معهم وأحسن بيانا لهم فإني لم استلذ مخاطبة بعدك ولم ألتذ بكلام غيرك، وأنشد

علي:

* اصمني سرهم أيام فرقتهم

* هل كنت تعرف سرا يورث الصمما

*

٣٥

قوله تعالى: { ونجعل لكما سلطانا } الآية: ٣٥

قال جعفر: هيبة في قلوب الأعداء ومحبة في قلوب الأولياء.

قال ابن عطاء: اجمع لكما سياسة الخلافة مع اخلاق النبوة.

قال بعضهم: يجعل لكما سلطانا على أنفسكما فلا يلغبنكما الشيطان بحال.

قال بعضهم: يجعل لكما سلطانا أصابه في أحكام الحدود.

٤١

قوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } الآية: ٤١

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه، نزع عن أشرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم في

ظلمات نفوسهم لا يدلون على سبيل الرشد ولا يسلكونه فسماهم اللّه أئمة يدعون إلى

النار.

٤٦

قوله تعالى: { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } الآية: ٤٦

قال ابن عطاء: أجبنا سؤال من دعانا على الطور وجعلنا ما طلبه لأمتك إجلالا

لقدرك وعظم محلك.

قال الحسين في هذه الآية خاطب منصوب القدرة في عين العدم.

سمعت النصرآباذي يقول: سمعت أبا إسحاق ابن عائشة يقول: قال أبو سعيد

القرشي: يريد اللّه من الخلق أن لا يعلقوا سرهم بشيء من الدنيا والآخرة والكرامات

والدرجات والأحوال، كأن يكونوا خير كونهم لم يكونوا حين كان لهم بقوله: { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } من نودي هل نودي إلا أشباحا مقدورة بعلمه فرضى

منهم حين كونهم أن يكونوا قائمين به قد نسوا إلا في جنب وجوده.

وحكى عن أبي يزيد رحمة اللّه عليه: انه قرئت هذه الآية بين يديه فقال: الحمد للّه

الذي لم أكن ثم سئل بعضهم عن معنى قوله هذا؟ فقال: معناه كيف كنت استحق

سماع النداء وجوابه فجاء به الحق عنا الطف ونيابته عنا أتم، هذا معناه واللّه أعلم

بالصواب.

٥١

قوله تعالى: { ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون } الآية: ٥١

قال بعضهم: اتبعنا الموعظة الموعظة والرسول الرسول والدليل الدليل، لعلهم

يتذكرون: أي ينتبهون من رقدة الغفلة ويرجعون إلى رؤية الاستقامة.

٥٥

قوله تعالى: { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } الآية: ٥٥

قال أبو عثمان: كل شيء ما سوى القرآن وذكر اللّه فهو لغو.

قال يوسف بن الحسين: اللغو ما يشغلك عن العبادة.

وقال بعضهم: اللغو متابعة النفس فيما تشتهيه. واللغو غفلة الروح عن موارد القدرة

ومصادرها. قال حمدون: اللغو ذكر الخلق.

٥٦

قوله تعالى: { إنك لا تهدي من أحببت } الآية: ٥٦

قال ابن عطاء: إنك لا تسأل الهداية لمن تحبه طبعا وإنما سئل الهداية لمن يحبه فتكون

محبتك له حقيقة، لأنك لا تحب على الحقيقة إلا من يحبه فإن قيل محبة النبي صلى اللّه

عليه وسلم

لإسلام أبي طالب قيل ذلك محبة طبع لا محبة حقيقية، ومحبة الحقيقة كما أحب عمر

وأحب له الإسلام فأسلم.

قوله تعالى: { أولم نمكن لهم حرما آمنا } الآية: ٧

قال بعضهم: من مكن من رعاية سره وافتقاد أوقاته أن يعدم الزوائد من اللّه ودوام

الفوائد ومن ضيع أوقاته وأهمال ساعاته فهو متردد في ميادين الغفلة وساع في مسالك

الهلكة.

قوله تعالى: { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند اللّه خير وأبقى }

الآية: ٦٠

قال النصرآباذي: الخلق كلهم عبدة النعم والغريب والعزيز فيهم من يعبد المنعم ومن

انقطع عن اللّه بأي شيء انقطع فهو مغبون وإن كان منقطعا عنه بطاعته وجنته.

قال اللّه تعالى: { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند اللّه خير وأبقى)

* خاطب به العوام وقال للخواص { واللّه خير وأبقى }.

قوله تعالى: { أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا }

٦١

الآية: ٦١

قال أبو عثمان: من فرح بالدنيا وانقطع إليها عن اللّه فهو مغبون وإن كان منقطعا عنه

بطاعته وجنته.

قال اللّه تعالى: { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها }.

قال أبو عثمان: من فرح بالدنيا فرح بغير مفروح به، لأن أولها بلاء وأوسطها عناء

وآخرها فناء ومن عمل للآخرة وركن إليها أتاه اللّه خير الدارين وأتته الدنيا وهي راغمة،

كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' من كانت الآخرة همه جعل اللّه الغني في قلبه وأتته

الدنيا وهي

راغمة '.

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: لأن يغنيك عنها خير من أن

يغنيك بها.

٦٨

قوله تعالى: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } الآية: ٦٨

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الجريري يقول: سئل الجنيد رحمة اللّه عليه

عن قوله: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } وقال: كيف يكون للعبد اختيار واللّه المختار

له يقول: { ويختار ما كان لهم الخيرة } الآية: ٦٨  إذا نظروا إلى الأحكام الجارية

بجميل نظر اللّه لهم فيها، وحسن اختياره لهم فيما أجراه عليهم لم يكن عندهم شيء

أفضل من الرضا والسكون لأن الخليقة لو اجتمعت على أن تختار لعبد ما هو انفع له

وأعود عليه لم يكن اختيارهم إلا يسيرا في جنب ما اختاره اللّه لعبده ولن تبلغ الحقيقة

مقاديرها وغايات عقلها ولها حد ومكان لا يتجاوز نظر اللّه لعبده وجميل اختياره شيء لا

يحيط به غيره ولا يعلمه سواه فأين يذهب عن ذلك ويخرج عنه فمن اخذ ذلك أهل

الرضا حطوا الرحال بين يدي ربهم، وسلموا إليه أمورهم بصفاء التفويض والكون تحت

الحكم.

٧٣

قوله تعالى: { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله }

الآية: ٧٣

قال الحسين: من عرف من اين جاء علم أن يذهب، ومن علم ما يصنع علم ما

يصنع به، ومن علم ما يصنع به علم ما يراد به ومن علم ما يراد به علم ما له ومن

علم ما له علم ما عليه ومن علم ما عليه علم ما معه ومن لم يعلم من أين جاء وأين

هو وكيف هو ولمن هو وإلى أين هو فذاك ممن اهمل أوقاته وترك ما ندبه اللّه إليه

بقوله: { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار } الآية.

٧٥

قوله تعالى: { ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم } الآية: ٧٥

قال بعضهم: أخرجنا من كل قوم وليا فاطلعناه على اسرار قربنا ثم أذناك له في

البرهان فأظهر البرهان لنا، فعلم الخلق أن لا قيام لأحد بنفسه ولا يخبر عن الحق سواه

ولا يجيب عن سؤاله غيره ولا يقوى على مخاطبته إلا من أيده بتأييد خاص.

٧٦

قوله تعالى: { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم } الآية: ٧٦

قال القاسم: في جميع الأحوال: بغى وطغيان والمفروح به محل الحزن ألا ترى اللّه

يقول: { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم }.

قوله تعالى: { لا تفرح إن اللّه لا يحب الفرحين } الآية: ٧٦ . قال سهل: من فرح

بغير مفروح به استجلب حزنا لا انقضاء له.

٧٧

قوله تعالى: { وابتغ فيما آتاك اللّه الدار الآخرة } الآية: ٧٧

قال أبو عثمان: من لم يجعل حظه من دنياه آخرته ومن آخرته ربه فقد خاب سعيه،

وبطل عمله ونصيب العبد من دنياه حفظ حرمات اللّه وحرمة أوليائه والشفقة على عامة

أوليائه وعباده.

قوله تعالى: { ولا تنس نصيبك من الدنيا } الآية: ٧٧

قال بعضهم: أمره أن يأخذ من ماله قدر عيشه وإن تقدم ما سوى ذلك لآخرته.

وسئل سفيان الثوري رحمة اللّه عليه عن قوله: { ولا تنس نصيبك من الدنيا } قال:

لا تغفل عن عمرك في الدنيا أن تعمل بالطاعة.

قال بعضهم: نصيبك منها أن لا تغتر بها ولا تسكن إليها فإنها لم تدم لأحد ولم تبق

له.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه في هذه الآية: لا تترك إخلاص العمل للّه في الدنيا فهو

الذي يقربك منه ويقطعك عما سواه.

قوله تعالى: { وأحسن كما أحسن اللّه إليك } الآية: ٧٧

قال القيم: اصرف وجهك عن الكل بالإقبال عليه كما أحسن اللّه إليك حيث جعلك

من أهل معرفته، وأحسن مجاورة معرفته فإنه أحسن إليك حيث أنعم عليك بالإيمان

وهو من أعم النعم، وأحسن جوار نعمه فإنه أحسن إليك في أن وفقك لخدمته،

وأحسن القيام بواجب عبوديته وإخلاص خدمته.

٧٨

قوله تعالى: { إنما أوتيته على علم عندي } الآية: ٧٨

قال سهل رحمة اللّه عليه: ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح ولا أدعى لنفسه حالا فتمت

له، والسعيد من الخلق من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل الفضل

والأفضال ورؤية منة اللّه عليه في جميع الأحوال والشقي من زينت في عينه أعماله

وأقواله فافتخر بها وادعاها لنفسه فتهلكة سمومها يوما ما وإن لم تهلكه في الوقت ألا

ترى اللّه تعالى كيف حكى عن قارون { إنما أوتيته على علم عندي } نسي الفضل

وادعاها

لنفسه فضلا فخسف اللّه به الأرض ظاهرا فكم قد خسف بالأسرار وصاحبها لا يشعر

بذلك وخسف الأسرار هو منع العصمة والرد إلى الحول والقوة وإطلاق اللسان

بالدعوى العريضة والعمى عن رؤية الفضل والقعود عن القيام بالشكر على ما أولى

وأعطى حينئذ يكون وقت الزوال.

٧٩

قوله تعالى: { فخرج على قومه في زينته } الآية: ٧٩

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: أزين ما تزين به العبد المعرفة ومن نزلت درجاته عن

درجات العارفين فأزين ما تزين به طاعة ربه ومن تزين بالدنيا فهو مغرور في زينته.

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول وقد سأله رجل في مجلسه:

أي الزينة أجمل؟ قال: الأخلاق الجميلة لو كان يفوقها شيء لزين بها حبيبه حيث قال:

 { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم: ٤

قوله عز وجل: { وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خير لمن آمن }.

قال بعضهم: العالم بربه من يرى دوام نعمته وتتابع الآية لديه وقصور شكره عن

نعمه وإفلاسه عما يظهر منه هذه صفة العلماء باللّه.

٨٣

قوله عز وجل: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا }

الآية: ٨٣

قال يحيى بن معاذ رحمة اللّه عليه: الدنيا خمر إبليس من شرب منها شربة لا يفيق

إلا في عسكر القيامة.

قال شاه: إن اللّه خلق الخلق مقتضيا منهم الاعتراف له بالعبودية عدلا إذ لم يكونوا

فكونهم نصيب القلب المعرفة بوحدانيته ونصيب اللسان الإقرار بفردانيته ونصيب

الجوارح الخضوع له بحسن الطاعة والتواضع والتذلل فارفعهم عند اللّه أشدهم تواضعا

في نفسه وأعزهم عزا غدا ألزمهم للذل اليوم.

قال ابن عطاء: العلو في النظر إلى النفس والفساد النظر إلى الدنيا.

قال أبو عثمان: الفساد الأمن من المكر والكبر والفخر والعجب واصل ذلك كله من

الجهل ومن العجب، والجهل يكون الكبر وطلب العز في الدنيا وطلب العلو في الناس

والعز هو الذي يتولد منه العجب.

قال ابن عطاء في هذه الآية: { علوا في الأرض } أي إقبالا على النفس ورضاء بما

يأتي، والفساد السكون إلى الأفعال والأقوال.

قال حمدون: لا أحدا أدون ممن يتزين لدار فنائه ويتجمل إلى من لا يملك خيره

ونفعه.

أخبرنا محمد بن أحمد بن نفيل الرازي قال: حدثنا العباس بن حمزة قال: حدثنا

أحمد بن أبي الحواري قال: قال أحمد بن وديع: قال أبو معاوية في هذه الآية: { تلك الدار الآخرة } قال: لمن لم يجزع من ذلها ولم ينافس في عزها.

٨٤

قوله تعالى وتقدس: { من جاء بالحسنة فله خير منها } الآية: ٨٤

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: لا ثواب خير من الطاعة إلا الرؤية والرؤية فضل لا

ثواب كأنه يقول: من أحسن آداب الحرمة في جميع الأحوال واظهر سنن سر العبودية

فله خير منه وهو الفضل وهو الرؤية.

وقال: معرفة اللّه بالوحدانية أصل الحسنات وبها تكون الحسنة حسنة.

وقال: من قبلت منه حسنة سقط عنه رؤيتها وفتحت عليه رؤية المنة وهي خير من الحسنة التي وفق لها.

٨٥

قوله تعالى: { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } الآية: ٨٥

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في قوله: { لرادك إلى معاد } قال: مجالسته ليلة المسرى وإلى مخاطبات الروح بالقرآن وقيل العمل عند مباينة اثر الكون عليه.

قال ابن عطاء: إن الذي يسر عليك القرآن قادر أن يردك إلى وطنك الذي منه ظهرت

حتى يشاهدك سرك على دوام أوقاتك.

وقال الحسن: إن الذي فرقك يرسم الإبلاغ للخلق سيردك إلى معنى يجمع بالفناء عن ملاحظتهم والترسم معهم على حد البلاغ برسومهم بتخصيصك بمقام لا يخص وبيان الإخلاص.

قال ابن عطاء: إن الذي حفظك في أوقات المخاطبة لرادك إلى وطنك من المشاهدة.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: إلى حيث شاهد روحك وإلى الكرم الذي اظهرك منه.

٨٨

قوله تعالى: { كل شيء هالك إلا وجهه } الآية: ٨٨

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: إذا تحقق ذلك عنده أخذ العبد من العبد بقيام الحق به.

قال ابن عطاء: في كشف الذات هلكة وجرفة قال اللّه تعالى: { كل شيء هالك إلا وجهه }.

قال ابن المبارك: كل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه.

ذكر ما قيل في سورة العنكبوت

﴿ ٠