سورة العنكبوتبسم اللّه الرحمن الرحيم ١، قوله تعالى: { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } الآية: ١ ٢ قال ابن عطاء: ظن الخلق انهم يتركون مع دعاوي المحبة ولا يطالبون بحقائقها فحقائق المحبة هي صب البلوى على المحب وتلذذه بالبلاء فبلاء يلحق جسده وبلاء يلحق قلبه وبلاء يلحق سره وبلاء يلحق روحه فبلاء النفس في الظاهر الأمراض والحمى في الحقيقة ضعفها عن القيام بخدمة القوى العزيز بعد مخاطبته إياه بقوله: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }، وبلاء القلب تراكم الشوق ومراعاة ما يرد عليه في وقت بعد وقت من ربه والمحافظة على أحواله مع الحرمة والهيبة، وبلاء السر مع من لا مقام للخلق معه والرجوع إلى من لا وصول للخلق إليه وبلاء الروح الحصول في القبضة والابتلاء بالمشاهدة وهذا ما لا طاقة لأحد فيه. قال بعض السلف: إن اللّه إذا أحب عبدا جعله للبلاء عرضا. قال عبد العزيز المكي: { احسب الناس أن يقولوا آمنا } بالدعاوي وهم لا يجربون البلاء. قال النصرآباذي: خص اللّه أهل البلاء من بين عبادة فقال: { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } أي بترك أن يدعى فينا ودعواه ولا يبلى بالاختبار والابتلاء كلما ادعى أحد فينا إلا ابتلى بأشد البلاء واي جرأة أشد من ادعاء فإن في باق. ٣قوله تعالى: { ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن اللّه الذي صدقوا وليعلمن الكاذبين } الآية: ٣ قال ابن عطاء: تبين صدق العباد من كذبهم في أوقات الرخاء والبلاء من شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين. ومن نظر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين. وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: هب انك تنجو من النفس والهوى ومن الناس والرياء فكيف تنجو من الحكم والقضاء قال اللّه تعالى: { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }. قال عبد العزيز المكي: جربناهم فيما ادعوا فتبين الصادق من الكاذب عند التجربة. ٤قوله تعالى: { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } الآية: ٤ قال القيم: أن يسبقونا ما كتبنا عليهم من محتوم القضاء وما قدرنا عليهم من ماضي الحكم فهم ساء ما يحكمون أي بطل ما يعملون. قال عبد العزيز المكي: أم حسب الذين يعملون السيئات ثم يتزينون بزي المحسنين وأهل الكرامة أن ننزلهم منزلتهم ساء ما يحكمون. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: إنما ذكر اللّه السياق تنبيها للخلق ووصفا لهم بصفاتهم وبقوتهم قبل أن يخلقهم كي يوقنوا انهم لا يسبقونه بالفعل والقول وانهم مرتبطون بما سبق لهم من الصفات وفيهم قال اللّه: أحسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا بالفعل والقول وانهم مرتبطون بما سبق لهم من الصفات وفيهم قال اللّه: { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا }. قال القتاد: المسئ محجوب القلب عن الدين مكشوف القلب بالدين ليشهد منافع عواقب الطاعات. ٥قوله عز وعلا: { من كان يرجو لقاء اللّه } الآية: ٥ فليسأل ربه سؤال المحتاج وليطلب منه طلب الراغب المشتاق. قوله تعالى: { فإن أجل اللّه لآت } الآية: ٥ قال أبو عثمان: هذه تعزية للمشتاقين أي أعلم اشتياقكم إلى وأنا أجلت للقائكم أجلا فعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون إليه فطيبوا نفسا وتنعموا قوله تبارك وتعالى: { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه } الآية: ٦ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ابتدأ الحق الخلق بالنعم تفضلا من غير استحقاق جلت نعمه وعطاياه أن تستجلبها الحوادث بحال لكنه المبتدئ بالنعم والمتفضل بها قال اللّه تعالى: { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه }. قال أبو بكر بن طاهر أي يظهر على نفسه آثار العبودية وزينتها لا يطلب بها قربة إلى ربه فإن الحق لا يتقرب إليه برأيه أو بما منه. ١٠قوله تعالى: { ومن الناس من يقول آمنا فإذا اوذى في اللّه جعل فتنة الناس كعذاب اللّه } الآية: ١٠ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لا يؤذي في اللّه إلا الأنبياء وخواص الأولياء والأكابر من العباد ومن تعززت نفسه نازع اللّه في ربوبيته. قال بعضهم: المؤمن كالذي يحمل الأذى وينبت المرعى لا تجد راحلة في الألف - والراحلة ما تحملك من غير مؤنة - ولا أذى يبلغك شهوتك ولا تحملك مؤنة. ١٣قوله تعالى: { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } الآية: ١٣ قال أبو بكر الوراق: وهم أعوان الظلمة والذين يصدقون الأمراء الجائرون. قال أبو عثمان: ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المدعين من غير حقيقة يحملون أثقالهم وأثقال من يقتدى بهم في دعاويهم لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها '. ١٧قوله تعالى: { فابتغوا عند اللّه الرزق } الآية: ١٧ قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: اطلبوا الرزق بالطاعة والإقبال على العبادة. قال يحيى بن معاذ: يعبدون اللّه تعالى في الدنيا على أربعة أوجه، عابد يعبده على العادة وتائب يعبده على الرحمة ومشتاق يعبده على الرغبة وصديق يعبده على المحبة. قال سهل رحمة اللّه عليه: اطلبوا الرزق في التوكل لا في الكسب فإن طلب الرزق في الكسب سبيل العوام. ٢١قوله تعالى: { يعذب من يشاء ويرحم من يشاء } الآية: ٢١ قال أبو بكر الوراق يعذب من يشاء باشتغال الدنيا ويرحم من يشاء بالفراغ منها والإعراض عنها. قال بعضهم: { يعذب من يشاء ويرحم من يشاء } يعذب من يشاء بالحرص ويرحم من يشاء بالقناعة. قال أبو عثمان: يعذب من يشاء بسوء الخلق ويرحم من يشاء بحسن الخلق. قال بعضهم: يعذب من يشاء بالإعراض عن اللّه ويرحم من يشاء بالإقبال عليه. قال سهل: يعذب من يشاء بمتابعة البدع ويرحم من يشاء بملازمة السنة. قال بعضهم: يعذب من يشاء بأنه يبغضه إلى الخلق ويرحم من يشاء بأن يحببه إليهم. قال جعفر: يعذب من يشاء بشتات الهموم ويرحم من يشاء بجمعها له. قال بعضهم: يعذب من يشاء بالمخالفة ويرحم من يشاء بالموافقة. ٢٦قوله تعالى: { فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي } الآية: ٢٦ قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: إني راجع إلى ربي من جميع مالي وقاصد إليه بالانفصال عما دونه ولا يصح لأحد الرجوع إليه وهو متعلق بشيء من الكون حتى ينفصل عن الأكوان اجمع ولا يتصل بها. ٢٩قوله تعالى: { وتأتون في ناديكم المنكر } الآية: ٢٩ سئل الجنيد رحمة اللّه عليه: عن هذه الآية قال: كل شيء يجتمع عليه الناس إلا الذكر فهو منكر. قال أبو بكر بن طاهر: لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر. قال القيم: المنكر هو ترك حرمة الأكابر. قوله تعالى: { وآتيناه اجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } الآية: ٢٧ . أي لمن الراجعين إلى مقام العارفين. ٣١قوله تعالى: { مثل الذين اتخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } الآية: ٤١ قال ابن عطاء: من اعتمد شيئا فهو هباء لا حاصل له وهلاكه في نفس ما اعتمد ومن اتخذ سواه ظهيرا قطع عن نفسه سبيل العصمة ورد إلى حوله وقوته فالعنكبوت اتخذت بيتا ظن أنه يكنه وأوهن البيوت بيت ظن بانيه انه عامره أو به قيامه فهدمه حين بناه وخربه حين عمره. ٤٣قوله تعالى: { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } الآية: ٤٣ قال: شواهد القدرة تدل على القادر وما يعقلها أي ولا يثبتها إلا العالمون به وبأسمائه وصفاته لأنهم علماء السنة والباقون علماء المنهج والعالم على الحقيقة من يحجزه علمه من كل ما لا يبحه العلم الظاهر. ٤٥قوله تعالى: { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } الآية: ٤٥ قال بعضهم: تمامالصلاة بترك الفحشاء والمنكر قبل الصلاة وهو لأجل الجلال والتفكر في عظمة اللّه فإذا قمت إليها قمت كأنك مذنب فترفع الحجاب فتقول اللّه أكبر بعقاب الفحشاء، ونيات المنكر قال جعفر: الصلاة إذا كانت مقبولة فإنها تنهى عن مطالعات الأعمال وطلب الأعراض. قال سهل رحمة اللّه عليه في هذه الآية: تزيين الانصراف عن الفحشاء والمنكر ولا يوجد فيها تزيين الانصراف عنها فملعونة، والواجب تصفيتها. قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: الصلاة المقبولة تمنع صاحبها يطلب عوضا أو رؤية نفس فيها. قوله تعالى: { ولذكر اللّه أكبر } الآية: ٤٥ قال ابن عطاء: ذكر اللّه أكبر من ذكركم له لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال. وقال أيضا: ذكرك له استجلاب نفع، وذكره لك إكرام وفضل. قال أبو عثمان: ذكر اللّه أكبر لأنه ذكر باق. قال أبو بكر الوراق: ذكر اللّه لكم في الأزل أكبر من ذكركم له في الوقت، لأن ذكره لكم أطلق ألسنتكم بذكره. وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: من شاهد نفسه في ذكره شاهد نفسه في مقابلة من لا يقابله شيء واللّه تعالى يقول: { ولذكر اللّه أكبر } من أن يقوم أحد فيه بحق العبودية فكيف بحق الربوبية؟ وقال أيضا: ذكر اللّه لكم في الأزل أكبر واحكم وأقدم وأتم. قال القاسم: ذكر اللّه أكبر من أن تحويه افهامكم وعقولكم وحقيقة الذكر طرد الغفلة فإذا لم يكن الغفلة فما وجه الذكر لأنه أكبر من أن يلحقه ذكر أو تداينه إشارة، لأن الإشارة يطلبها الأين والأين يلحقها الحين. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في قوله: { ولذكر اللّه أكبر } من أن يبقى على صاحبه عقاب الفحشاء. وقال أيضا: اللّه أكبر من أن يبقى على صاحبه وذاكره شيء سوى مذكوره. ٤٨قوله تعالى: { وما كنت تتلو من قبله من كتاب } الآية: ٤٨ قال أبو سعيد الخراز في هذه الآية: أبيدت عنه الرسوم وأشكال الطبائع لما فيه من تدبير المحبة والاختصاص بخصائص القربة فلم يدنس لمرسوم ولم يرجع إلى معلوم لذلك لما بدهه الحق اثر فيه حيث وجده خاليا عما فيه من الاغيار الا ترى انه لما قيل له: { اقرأ } قال: ما أنا بقارئ فقيل له: { اقرأ باسم ربك } سكن إليه والفه لخلوه عن التدنيس بالمرسومات. ٤٩قوله عز وعلا: { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } الآية: ٤٩ قال أبو بكر: ظاهر علوم الدراية جعل وعاءها صدور العلماء الربانيين، وآيات ذلك ظاهرة عليهم وانوارهم مشرقة فيهم فلا ترى عالما مستعملا بعلمه راضيا لأحكام الحق عليه وموارد الحق إياه وأنوار هيبته تشتمل على قلوب حاضرة فلا يكون مجلسه إلا مجلس أدب. سمعت أبي يقول: يقول القناد: من صفت سريرته صفت علانيته. ٥٦قوله عز وعلا: { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } الآية: ٥٦ قال سهل رحمة اللّه عليه: إذا عمل بالمعاصي والبدع في أرض فأخرجوا منها إلى أرض المطيعين. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبي ملكي يقول: وقد سئل عن العبودية فقال: إذا صحت العبودية صحت الحرية عما سواه. سمعت محمد بن الحسين البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون رحمة اللّه عليه وعليهم يقول: صفة العبد المؤمن على الحقيقة هو خلع الراحة وإعطاء المجهود في الطاعات وحب سقوط المنزلة. ٥٧قوله جل ذكره: { كل نفس ذائقة الموت } الآية: ٥٧ قال الجنيد رحمة اللّه عليه: النفوس وإن عظم خطرها فإنها مردودة إلى قيمتها لا يثبت لها حال ما دامت قائمة بأنفسها إلى أن يغني للحق شاهدها عنها ويحييها بشواهد اشهاد منه إياه إذ ذاك تحيا وتزول عنها العلل قال اللّه عز وجل: { كل نفس ذائقة الموت} * ما دامت باقية قائمة بذواتها ثم إلينا ترجعون بما لنا فتسقط عنها العوارض والعلل ونقيمها مقام الصدق. ٥٩قوله تعالى: { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } الآية: ٥٩ قال محمد بن علي: للصبر أول فإذا تحقق في أوله واستكمل له مقامه أداه صبره إلى الشكر وإلى الرضا فمن صح له مقام صح له صبر صح له مقام التوكل وغاية الصبر الرضا وهوايتها مقاماته والصبر مخرجة من اليقين ومن لم يصح يقينه لا يرزق من الصبر شيئا. قال بعضهم: الصبر المقام مع البلاء يحسن الصحبة كالمقام مع العافية هذا هو الصبر وما سواه تصبر. قال أبو بكر الوراق: الصبر تلقى البلاء الرحب والدعة سمعت عبد اللّه بن علي يقول: سمعت أبا العباس محمد بن الحسين يقول: سمعت ابن أبي شيخ يقول: سمعت أحمد بن أبي الحسين يقول: سئل أبو سعيد الخراز عن التوكل فقال: هو اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب. قال الجريري: وهذا قول حسن في التوكل. ٦٠قوله تعالى: { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } الآية: ٦٠ سمعت بشر بن أحمد الأسفراييني يقول: حدثنا أبو يعلى الموصلي قال: حدثنا ابن معين قال: حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن علي بن الأرقم يقول في قوله: { وكأين من دابة لا تحمل رزقها }: لا تدخر شيئا لغد. سمعت أبا عمرو بن مطر يقول: سمعت أبا بكر البردعي يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: لا تجزعوا من التوكل فإنه عيش لأهله قال اللّه تعالى: { وكأين من دابة لا تحمل رزقها اللّه يرزقها وإياكم }. قال ابن عطاء: يرزقها بالتوكل ويرزقكم بالطلب. قال أبو بكر بن طاهر: يرزقها بحسن اليقين ويرزقكم مع قلة اليقين. سمعت أبا عمرو بن مطر يقول: سمعت أبا بكر البردعي يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: أرزاق المتوكلين على اللّه تجري بعلم اللّه لهم بلا شغل وغيرهم فيها مشغول ومتعوب. ٦٥قوله تعالى: فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين } الآية: ٦٥ قال الجنيد رحمة اللّه عليه: الإخلاص انحياز القلب من الكل وخلو السر عن الجميع والعلم بأن الحق هو الذي يقبلك بجميع عيوبك وينجيك مع جميع همومك وهو دليل مقام الإخلاص. قوله تعالى: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن اللّه لمع المحسنين } الآية: ٦٩ قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: جاهدوا في رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان. قال بعضهم: الذين اتبعوا مخالفة أنفسهم في حرمتنا لنكرمنهم بحلاوة الخدمة وأنسها. قال أبو عثمان: الطريق إلى اللّه واضح والوصول إليه بالمجاهدة والمجاهرة بنظام النفس عن الشهوات ونزوع القلب عن الأماني والشبهات وخلو السر عن النظر إلى الخلق والرجوع إلى رب السماوات حينئذ تصح لك المجاهدة. قال بعضهم: المجاهدة هي إقامة الطاعات على رؤية المنن لا غير. وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال: والذين جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص. وقال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: المجاهدة هي صدق الافتقار إلى اللّه بالانقطاع عن كل ما سواه. قال النهرجوري: والذين جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا والمشاهدة لنا ومن لم يكن أوائل أحواله المجاهدة كانت أيامه وأوقاته موصولة بالتواني والأماني ويكون حظه البعد من حيث تأمل القرب. وقال عبد اللّه بن المبارك: المجاهدة علم آداب الخدمة لا المداومة عليها وأدب الخدمة أعز من الخدمة. قال بعضهم: الجهد في غض البصر وحفظ اللسان وخطرات القلوب وجملة ذلك هو الخروج من عادات البشرية. ٦٩وقيل في قوله: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } الآية: ٦٩ قال القيم: كل مجاهدة في اللّه كانت قبل الإيمان فهي حقيقة وكل مجاهدة بعد الإيمان باللّه فهي باطلة. قوله تعالى: { لنهدينهم سبلنا } أي: بينا لهم انه ليس بالإيمان والمجاهدات يتقرب إلى اللّه به بطلب سبيل المجاهدة. وقوله: { لنهدينهم } انه من اللّه كله لا من العبد لأن المجاهدة هو الذي اجرى عليهم قبله سئل السياري المجاهدة من العبد إلى اللّه أو من اللّه إلى العبد؟ قال: ما من شيء إلا واللّه موجدة قال اللّه: { واللّه خلقكم وما تعملون } أي أوجدكم وأوجد أعمالكم بلا شريك ولا عون فالخلق قائمون بالحق. قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: سر مجرد مسائلة مع الحق بإسقاط الكل عنه. قال محمد بن خفيف: كل محتمل لثقل العبودية في اختلاف ما وضع اللّه من فرض وفضل فهو داخل في أحوال المجاهدة. وقال أيضا: اللبيب من العقلاء من يعمل في تصفية قلبه من كل همه وانفراده بإصلاح ما هو أولى به في الحال بدوام المجاهدة واستعمال الرياضة وشدة الحراسة ومفارقة ما كانت النفوس عليها عاكفة لحقيقة المجاهدة لأن اللّه يقول: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }. قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: المجاهدة على قدر الطاقة والعناية على قدر الكفاية. قال جعفر: صدق الافتقار هو انفصال العبد من نفسه واتصاله بربه والمجاهدة تبري العبد من جميع ما اتصل به والمجاهدة بدل الروح على رضا الحق. وقال أيضا: من جاهد بنفسه لنفسه وصل إلى كرامة ربه. ومن جاهد بنفسه لربه وصل إلى ربه. قال ذو النون رحمة اللّه عليه: من اجتهد في اللّه للّه من غير أن يلتفت عن الاجتهاد إلى غير اللّه وجد الطريق من اللّه إلى اللّه فإن مع الاجتهاد النصرة والتعبد. قال عبد العزيز المكي: اجتهدوا في سبيل الظاهر فهداهم إلى سبل الباطن وأنا أتعجب ممن يعجز عن ظاهرة وهو يطمع في باطنه. قال القيم: المجاهدة المكابدة في العبادة. سمعت النصرآباذي يقول: سمعت أبا إسحاق ابن عائشة يقول: قال أبو سعيد القرشي: خرجت هداية المريد من المراد قال اللّه تعالى: { ونهدي من نشاء إلى صراط مستقيم }. قال أبو بكر بن طاهر: لنهدينهم السبيل إلينا. قال بعضهم: تقربوا إلى اللّه بإقبال القلوب عليه. سمعت أبا نصر منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز قال أبو العباس ابن عطاء رحمة اللّه عليه: صدق المجاهدة الانقطاع إلى اللّه عن كل ما سواه. وقيل في قوله: { والذين جاهدوا فينا } في طلبنا تحريا لرضانا { لنهدينهم سبلنا } سبل الوصول إلينا. ذكر ما قيل في سورة الروم |
﴿ ٠ ﴾