سورة الروم

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٤

قوله تعالى: { للّه الأمر من قبل ومن بعد } الآية: ٤

قال: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء لأنه المبدئ والمعيد.

وقال أيضا: سبق تدبير الحق في الخلق لأنه بهم لم يزل عالما في الأصل والفرع.

٧

قوله تعالى: { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } الآية: ٧

قال بعضهم: من ركن إلى الدنيا حجب عن الآخرة، ومن ركن إلى الآخرة حجب

عن اللّه، لذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' من أصبح وهمه غير اللّه فليس من اللّه '.

وقال صلى اللّه عليه وسلم: ' من أحب دنياه أضر بآخرته '.

قال القاسم: من كان عن الآخرة غافلا فهو عن اللّه اغفل ومن كان غافلا عن اللّه

فقد سقط من درجات المتعبدين.

٩

قوله تعالى: { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم }

الآية: ٩

قال بعضهم: السير في الأرض مندوب إليه لمن يستدل بالآثار على المؤثر فأما من

تحقق في عين المعرفة فهو سائر بروحه في الملكوت ومجالس الأنس ويكون خالي السر

عن هواجس النفس فسير المريد ببدنه وسير المراد بقلبه وسير المحب بروحه وسير العارف

بسره.

١٠

قوله تعالى: { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى } الآية: ١٠

قال أبو علي الجوزجاني: المسئ ينتظر الإساءة إلى أن يتداركه العفو ألا ترى اللّه

يقول: { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى } الإساءة إنفاق العمر في الباطل والسوء

إنفاق رزقه في المعاصي وإنفاق حياته في متابعة هواه.

١٢

قوله تعالى: { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } الآية: ١٢

قال أبو بكر بن طاهر: يتفرقون كل إلى ما قدر له من محل السعادة ومنزل الشقاوة

فمن كان تفرقه إلى الجمع كان مجموع السر ينقلب إلى محل السعادة ومن كان تفرقه

إلى فرقة كان متفرق السر ثم لا يألف الحق أبدا ويرجع إلى محل أهل الشقاوة.

قوله تعالى: { فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون } الآية: ١٧

قال جعفر: باللّه فابدأ صباحك وبه فاختم مساءك فمن كان به ابتداؤه وإليه انتهاؤه لا

يشقى فيما بينهما.

٢٠

قوله تعالى: { ومن آياته أن خلقكم من تراب } الآية: ٢٠

قال القاسم: بين انه متولي خلقه وان خلقته إياهم من جماد لا حركة له وإنما حركها

خالقها لأنه ليس من طبعه أن يتيسر بنفسه ذكر ذلك لئلا يعتمد العبد شيئا من أفعاله ولا

ينظر إلى شيء سوى ربه.

قوله تعالى: { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } الآية: ١٩

قال بعضهم: يخرج أولياءه من بين أعدائه ويخرج أعداءه من بين أوليائه لئلا يعتمد

ولى على ولايته ولا يقنط عدو في عداوته فأبهم العواقب ولم يكشف إلا لنبي أو

لخاص ولي.

٢٦

قوله تعالى: { وله من في السماوات والأرض } الآية: ٢٦

قال: الكل له فمن طلب البعض من الكل من غيره فقد اظهر نذالته وأنبأ عن قدره

ومحله.

قوله تعالى: { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم } الآية: ٢٩

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: الظالم من اتبع نفسه هواها ومن فعل ذلك اعرض

عن الحق ومن اعرض عن الحق حرم عليه الرجوع إلى الحق فإن الحق عزيز والطريق

إليه عزيز.

٣٠

قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا } الآية: ٣٠

قال أبو علي الجوزجاني: دعا اللّه عباده إلى الإخلاص من كل وجه واخبر أن من

كان في ظاهره وباطنه شيء غير الحق لم يكن مخلصا.

قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا }. أي معرضا عن الكل مقبلا عليه حنيفا:

أي مطهرا من الأكوان وما فيها.

قوله تعالى: { فطرت اللّه التي فطر الناس عليها } الآية: ٣٠

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: الفطرة ما فطرهم عليه وثبتها في اللوح المحفوظ.

وقال خلقه اللّه التي خلق الناس عليها، وما جلاهم به في الأزل من السعادة والشقاوة

فلا يبدل عنده القول فيهم ولا يغير { ذلك الدين القيم } قال الطريق الواضح لأهل

الحقائق فمن نظر إلى سابق القضاء علم أن أفعاله لا تؤثر فيه شيئا، ومن نظر إلى نفسه

وأحواله وأفعاله فهو رهين فعله وأسير نفسه.

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: خلق للإنسان عقولا وركب عليه الرأس وجعله تاج

الجسم وجعل فيه أربعة سمعه وبصره ولسانه وفمه فإذا سكت الإنسان عن فضول

الكلام وتلا بلسانه القرآن كان شاكرا بنعم الفم وإذا غض الإنسان بصره عن فضول

النظر كان شاكرا لنعمة العين كذلك في جميع الأعضاء.

٣١

قوله تعالى: { منيبين إليه واتقوه } الآية: ٣١

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: راجعين إليه من الكل خصوصا من ظلمات النفوس

مقيمين معه على حد ذات العبودية لا يفارقون عرصته بحال ولا يرجون غيره ولا

يخافون سواه هو اجر المنيبين إن شاء اللّه.

وقال بعضهم: الإنابة الرجوع منه إليه لا من شيء غيره فمن رجع من غيره إليه ضيع

إحدى طرفي إنابته على الحقيقة من لم يكن له رجع سواه فرجع إليه من رجوعه ثم

رجع من رجوع رجوعه ثم فنى من رجوعه فبقى شبحا لا وصف له قائما بين يدي الحق

مستغفرا في عين الجمع قطع عنه سبل الفرقة والإخبار عن الأكوان وهذا ممن وصفه أبو

سعيد الخراز في مقام الصمدية.

٣٩

قوله تعالى: { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه اللّه } الآية: ٣٩

وقع التضعيف لإرادة وجه اللّه به لا لإيتاء الزكاة والزكاة زكاة البدن في تطهيره من

المعاصي وزكاة ماله في تطهيره من الشبهات.

٤٠

قوله تعالى: { واللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم.. } الآية: ٤٠

قال الحسين: خلقكم بقدرته ورزقكم معرفته وأماتكم عن الأعيان واحياكم به.

وقال: الرزق في الدنيا الحياة واللذة ثم الشهوة والعيش والرزق في الآخرة المغفرة

والرضوان ثم تكون بعدهما الدرجات.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: أي جركم إلى جميع ما قصد بكم ثم يميتكم ثم

يحييكم بالاستثارة والتجلي ثم رزقكم الطاعة والعلم به ثم يميتكم عما سبق منه إليكم

ثم يحييكم - أي ينبهكم عن أوائلكم - ثم إليه ترجعون تحت أسر القوة.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: رزقكم العلم به والرجوع إليه.

وقال أبو يعقوب السوسي: رزقكم خدمته والإقبال عليه.

قال سهل: أفضل رزق العبد سكونه مع رازقه. وقال جعفر: خلقكم ثم رزقكم جر

كلكم إلى إظهار الربوبية فيكم ثم يميتكم ثم يحييكم بالاستثارة والتجلي.

قال أبو الحسين الوراق: أخبر اللّه عن ابتداء خلقك انه خلقك ثم أخبرك انه سواك

ثم أخبر انه رزقك ثم أخبر عن فنائك انه يميتك ثم أخبر عن بعثك انه يحييك فهو

الأول في خلقك ورزقك وموتك وحياتك لترجع إليه في جميع مهماتك ولا تخرج عن

سواه فإنه لا يقدر أحد على هذه الأحوال غيره وحاجات الخلق قائمة إليه كحاجتك

فاعبد من يملك كشف الضر عنك. وقال شقيق في قوله: { واللّه الذي خلقكم ثم رزقكم.. } الآية. قال: كما لا تستطيع أن تزيد في خلقك ولا في حياتك كذلك لا

تستطيع أن تزيد في رزقك فلا تتعب نفسك في طلب الرزق.

٤١

قوله تعالى: { ظهر الفساد في البر والبحر } الآية: ٤١

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: البر النفس والبحر القلب. وفساد النفس متعلق بفساد

القلب فمن لم يعمل في اصلاح قلبه بالتفكر والمراقبة وفي اصلاح نفسه بأكل الحلال

ولزوم الأدب ظهر الفساد في ظاهرة وباطنه.

قال سهل: مثل اللّه الجوارح بالبر ومثل القلب بالبحر وهو أعظم نفعا وأكبر خطرا.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: البر ما ظهر من النعوت والصفات والبحر ما استتر

من الحقائق. وقيل في البر والبحر إنه السرائر والظواهر. وقيل: ظهر الفساد في البر:

أي على لسان علما الظاهر بالتأويلات الفاسدة والبحر: أي على لسان أهل الحقائق

بالدعاوي الباطلة.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: البر اللسان

والبحر القلب.

٤٣

قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا } الآية: ٤٣

وقال سهل: قوام الدين شيء واحد وهو اتباع الأوامر ولزوم السنة.

وسئل الدقاق: بماذا يقوم الرجل اعوجاجه؟ قال: بالتأدب بإمام فإنه إن لم يتأدب

بإمام بقي بطالا وأحواله باطلة.

وقال الفضيل بن عياض: قوام الدين بشيئين، بالاتباع وترك الابتداع.

وقال أبو عثمان: اسلك سلوك أهل الاستقامة يوصلك إلى طريق أهل الاستقامة

وهو القيام مع اللّه بالدين القيم كما قال اللّه تعالى: { فأقم وجهك للدين القيم }.

٤٦

قوله تعالى: { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } الآية: ٤٦

قيل: رياح القدرة تبشر بمنازل الأنس.

وقال بعضهم: يرسل عليك رياح فضله تبشرك بالنجاة من مخاوف عدله.

وقال ابن عطاء: يرسل الرياح المكنونة في خزائنه على أهل صفوته فيبشرهم بمحل

التمكن والتمكين.

قال النصرآباذي: هو أن يظهر عليك أوائل الاسترواح إلى ذكره فيكون ذلك بشارة

بالوصول إلى المذكور.

وقال القاسم: ومن إظهار قدرته بركات أنفاس الأولياء على متبعيهم وحياة رحمته

عليهم فيبشرهم بفوائد أنوار الغيوب ويحميهم ويصونهم من جميع العيوب.

وقال الحسين: من علامات ربوبيته أن يرسل رياح شفقته إلى قلوب أوليائه مبشرة

لهم بهتك حجب الاحتشام ليطئوا بساط المودة من غير حشمة فيسقيهم على ذلك البساط

شراب الأنس وتهب عليه رياح الكرم فيفنيهم عن صفاتهم ويحليهم بصفاته ويفوته فإن

بساط الحق لا يطأه من هو مقيم على حد الافتراق حتى يرى العيون كلها عينا واحدا

ويرى ما لم يكن كما لم يكن وما لم يزل كما لم يزل.

٥٠

قوله تعالى: { فانظر إلى آثار رحمة اللّه } الآية: ٥٠

قال سهل: بظاهرها المطر وباطنها القلوب وحياتها بالذكر.

وقال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: مثل فضل اللّه على عباده مثل غيث السماء انزله

أحيا به ميت الاراضين كذلك يحيي اللّه بالسنة الحكمة ما مات في قلوب أهل الغفلة

وهو قوله: { فانظر إلى آثار رحمة اللّه كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى } أي لمحيي الأنفس الميتة بالشهوات والقلوب الميتة بالغفلة بأنوار معرفته وآثار

هدايته.

٥٢

قوله تعالى: { فإنك لا تسمع الموتى } الآية: ٥٢

قال ابن عطاء - رحمة اللّه عليه -: لن يسمع دعاءك إلا من اسمعناه في الأزل خطابنا

ووفقناه لجواب الخطاب على الصواب فإذا سمع خطابك أجابك بالجواب الأول لأن

الخطابين واحد أحدهما بسبب وواسطة والآخر عن المسبب والمشاهدة.

٥٣

قوله عز وعلا: { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } الآية: ٥٣

قال جعفر: إظهار آيات رسالاتك على من أظهره الحق عليه في الأزل آيات السعادة،

وحلاه بحلية الاختصاص فيكون دعاؤك له دعاء تذكير فموعظة لا دعاء ابتداء، لأنه من

لم تحركه السعادة في الأزل لم يمكنك أن توصله إلى محل السعادة أنت الداعي المنذر

واللّه الهادي ألا تراه يقول: { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم }.

٥٤

قوله عز من قائل: { اللّه الذي خلقكم من ضعف } الآية: ٥٤

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: خلقه خلقة لا تمكنه أن يجر نفعا ولا يدفع ضرا

هذا هو الضعف التام.

قال بعضهم: خلق الخلق ضعيفا أسير جوعة وصريع شبعة ورهين شهوة لا ينفك

منها إلا المعصومون.

٦٠

قوله تعالى: { فاصبر إن وعد اللّه حق } الآية: ٦٠

قال رويم: الصبر ترك الشكوى.

قال أبو عثمان: من تحقق بما وعد اللّه الصابرين من جميل الثواب وحسن العطاء هان

عليه الصبر على المكاره ولم يؤلمه المقام عليها.

سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت عباس بن عاصم يقول سمعت الجنيد -

رحمة اللّه عليه - يقول: سمعت حارث المحاسبي - رحمة اللّه عليه - يقول: الصبر التهدف لسهام البلاء.

ذكر ما قيل في سورة لقمان

﴿ ٠