سورة الفتح

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } الآية: ١

قال ابن عطاء: النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه الآية بين نعم مختلفة بين الفتح المبين وهو من إعلام الإجابة، والمغفرة وهو من اعلام المحبة، وتمام النعمة وهو من اعلام الاختصاص، والهداية وهو من التحقيق بالحق، والنصر وهو من اعلام الولاية، والمغفرة منزه من العيوب، وتمام النعمة ابلاغ الدرجة الكاملة من الغنى به، والهداية وهي الدعوة إلى المشاهدة، والنصرة وهي رؤية الكل من الحق من غير أن يرجع إلى سواه.

قوله عز وعلا: { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر } الآية: ٢

قال ابن عطاء: لما بلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم سدرة المنتهى قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم وأخر جبريل صلوات اللّه عليهما قال النبي لجبريل: يا جبريل تتركني في هذا الموضع وحدي فعاتبه اللّه حين سكن إلى جبريل فقال: { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك }.

قال ابن عطاء: كشف اللّه تعالى عن ذنوب الأولياء حتى نادوا على أنفسهم ونودي عليهم بالذنب والتوبة وستر ذنب محمد صلى اللّه عليه وسلم بقوله: { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك }.

قال ابن عطاء: ما كان من ذنب أبيك إذ كنت في صلبه حين باشر الخطيئة وما تأخر من ذنوب أمتك إذ كنت قائدهم ودليلهم والخلق كلهم موقوفون ليس لهم وصول إلى اللّه إلا معه.

وقال: معنى استغفار النبي صلى اللّه عليه وسلم في الإعانة يستغفر لي حال صحوة من حال السكر بل يستغفر في حال السكر من الصحو بل يستغفر من الحالين جميعا إذ لا صحو ولا سكر في الحقيقة لا لأنه في الحضرة والقبضة لا يفارقها بحال.

وقال أيضا: هو تعريف للأمة بحملهم على الاستغفار ولاحظ له فيه.

٢

قوله عز وعلا: { ويتم نعمته عليك } الآية: ٢

قال جعفر: من تمام نعمته على نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن جعله حبيبه واقسم بحياته ونسخ به

شرائع الرسل وعرج به إلى المحل الأدنى وحفظ في المعراج حتى ما زاغ وما طغى وبعثه إلى الأسود والأبيض وأحل له ولامته الغنائم وجعله شفيعا مشفعا وجعله سيد ولد آدم وقرن ذكره بذكره ورضاه برضاه وجعله أحد ركني التوحيد فهذا وأمثاله من تمام النعمة عليه وعلى أمته به وبمكانه.

قوله تعالى: { ويهديك صراطا مستقيما } الآية: ٢

قال ابن عطاء: يهدي بك الخلق إلى الطريق المستقيم وهو الطريق إلى الحق من

جعله إمامه قاده إلى الحق ومن لم يقتد به في طلب الطريق إلى الحق ضل في طلبه

وأخطأ طريق رشده.

٣

قوله تعالى: { وينصرك اللّه نصرا عزيزا } الآية: ٣

قال القاسم: هو أن ينصره على احتمال ما يلقاه من أذى قومه فيعزه بإبلاغ الرسالة

ويذلهم بأن يجعلهم خولا له.

٤

قوله عز وعلا: { وهو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين } الآية: ٤

قال الواسطي: البصيرة مكشوفة والسكينة مستورة الا ترى إلى قوله: { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } فبالسكينة ظهرت البصيرة والسكينة هداية

والبصيرة

عناية وإذا أكرم العبد بالسكينة يصير المفقود عنده موجودا والموجود مفقودا.

سئل بعضهم: ما أول ما كاشف اللّه به عباده؟ قال: المعارف ثم الوسائل ثم السكينة

ثم البصائر، فلما كاشفه الحق بالبصائر عرف الأشياء من الجواهر كأبي بكر الصديق

رضي اللّه عنه ما أخطأ في نطق.

قوله عز وعلا: { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } الآية: ٤

قال الترمذي: الطمأنينة في القلب من السكينة وزيادة الأنوار في القلب من زيادة

الإيمان.

قوله تعالى: { وللّه جنود السماوات والأرض } الآية: ٤

قال سهل: جنوده مختلفة فجنوده في السماء الملائكة وجنوده في الأرض الغزاة.

وقال أيضا: جنود السماوات القلوب وجنود الأرض النفوس.

وقال بعضهم: ما سلط اللّه عليك فهو من جنوده إن سلط عليك نفسك أهلك

نفسك بنفسك وإن سلط عليك جوارحك أهلك جوارحك بجوارحك وإن سلط نفسك

على قلبك قادتك في متابعة الهوى وطاعة الشيطان وإن سلط قلبك على نفسك

وجوارحك زمها بالأدب وألزمها العبادة وزينها بالإخلاص في العبودية وهذا تفسير

قوله: { وللّه جنود السماوات والأرض }.

٨

قوله تعالى: { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } الآية: ٨

قال سهل: شاهدا عليهم بالتوحيد ومبشرا لهم بالمغفرة وبالتأييد ونذيرا محذرا إياهم

البدع والضلالات.

قال ابن عطاء: شاهدا علينا ومبشرا بنا ونذيرا عنا وداعيا إلينا وأنت المأذون في الكل

لأنك أمين على الكل ولا يطلق هذه المراتب إلا للأمناء فأنت الأمين حق الأمين.

قوله عز وعلا: { لتؤمنوا باللّه ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا }

٩

الآية: ٩

قال سهل: لتؤمنوا تصديقا بما جاء به وتعزروه حقه في قلوبكم وطاعته على أبدانكم.

قال أبو عثمان: لم يؤمن بالرسول من لم يعزر أوامره ولم يوقر أصحابه. قال اللّه

تعالى: { لتؤمنوا باللّه ورسوله وتعزروه وتوقروه }.

١٠

قوله تعالى: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه } الآية: ١٠

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أخبر اللّه تعالى بقوله: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه } إن البشرية في نبيه عادية، وإضافة دون الحقيقة.

قال أيضا: أظهرت النعوت في محمد صلى اللّه عليه وسلم فقال: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه }.

سمعت أبا القاسم النصرآباذي يقول: في وقت الاستنفار إلى الروم قد ظهرت صفة

البيعة فهل من راغب فيها بيعة بلا واسطة { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه }.

قوله تعالى: { يد اللّه فوق أيديهم } الآية: ١٠

قال بعضهم: حول اللّه وقوته فوق قوتهم وحركتهم.

١١

قوله تعالى: { شغلتنا أموالنا وأهلونا } الآية: ١١

قال بعض السلف: ما شغلك عن اللّه من أهل ومال وولد فهو عليك مشؤوم.

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: من شغله عن ربه شيء من هذه الأعراض فقد أخبر عن

نذالته وآثار خسته وظهرت عليه.

وسئل بعضهم: بماذا يصح لنا الإقبال على اللّه؟ قال: بترك الدنيا وما فيها فإنها تشغل

عن ربها ألا ترى المنافقين كيف اعتذروا بقوله: { شغلتنا أموالنا وأهلونا }.

١٨

قوله تعالى: { لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } الآية: ١٨

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: رضى عنهم فأرضاهم وأوصلهم إلى رضا اليقين

والرضا والطمأنينة وانزل اللّه السكينة عليهم لتسكن قلوبهم إليه.

وقال ابن عطاء: السكينة نور يقذف في القلب يبصر بها مواقع الصواب.

قال بعضهم: ثبات السر عند ظهور المغيبات.

قال بعضهم: السكينة استعمال الأوامر واستقبالها بالرحب والسعة.

٢٥

قوله تعالى: { فلولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم } الآية: ٢٥

قال سهل: المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه وقلبه يفتش أحواله ويراقب

أوقاته فيرى زيادته من نقصانه فيسكن عند رؤية الزيادة ويتضرع ويدعو عند دخول

النقصان هؤلاء الذين بهم يدفع اللّه البلاء عن أهل الأرض والمؤمن من لا يكون متهاونا

بأذى التقصير فإن التهاون بالقليل يستجلب الكثير.

قال أيضا: لا يجد طعم الإيمان من لم يدع ستة خصال ويتمسك بستة يدع الرياء

والحرام والسحت والمكروه والشبهة والجهل ويتمسك بطلب العلم لتصحيح عمله

ونصحا من قلبه وصدقا من لسانه وصلاحا مع الخلق في معاشرتهم وإخلاصا لربه في

معاملته.

٢٦

قوله تعالى: { إذا جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } الآية: ٢٦

متابعة للنفس في الانتقام من البرئ.

وقال جعفر: الحمية المذمومة التخطي من الحدود إلى التشفي.

قوله تعالى: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها } الآية: ٢٦

قال أبو عثمان: كلمة المتقين وهي شهادة أن لا إله إلا اللّه ألزمها اللّه السعداء من

أوليائه المؤمنين وكانوا أحق بها في علم اللّه أن خلقهم لها وخلق الجنة لأهلها، وأيضا

وكانوا أهلها إذ سماهم اللّه بها وأيضا وكانوا أحق بها ممن تركها كفرا بها واستغناء عنها،

وأيضا كانوا أهلها لأن اللّه بعثهم لها يحيوا عليها ويموتوا عليها.

قال القاسم: من ألزم كلمة التقوى وهم الصالحون لأن اللّه خلقهم للملازمة لا

يجاوزون حدود الأمر إلى ما وصف لهم من الكرامات عليها لما رأوا في أنفسهم من

التقصير في التقوى ورعاية حقائقه.

قال بعضهم: في هذه الآية لا يكون الرجل من أهل اللّه حتى يكون فيه ثلاث خصال

الفرار من كل شيء إلى اللّه والسكون في كل شيء مع اللّه والرضا بكل شيء عن اللّه.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: كلمة التقوى صيانة النفس عن المطامع ظاهرا وباطنا.

قال سهل: خير الناس المسلمون وخير المسلمين المؤمنون وخير المؤمنين العلماء وخير

العلماء الخائفون وخير الخائفين المخلصون وخير المخلصين المتقون الذي وصلوا

إخلاصهم وتقواهم بالموت وهم أصحاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لقوله تعالى: *

(وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها }.

٢٧

قوله تعالى: { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه } الآية: ٢٧

سئل سهل بن عبد اللّه رحمة اللّه عليه: ما هذا الاستثناء من اللّه؟ قال: تأكيدا في

الافتقار إليه وتأديبا لعباده في كل حال ووقت وتنبيها أن الحق إذا استثنى مع كمال علمه

أن أحدا لا يجوز له الحكم من غير استثناء مع قصور علمه.

٢٨

قوله عز وعلا: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } الآية: ٢٨

قال القاسم: أرسل رسوله وعظم حرمته بإضافته إلى نفسه ممن لم يعظم من عظمه

اللّه فهو لقلة معرفته بعظمة اللّه أرسله مبينا للشريعة مبينا لأحكامه داعيا إليه وجعل

طاعته لم ينفصل عن الرسول عن الحق في الإيجاب والنفي والبلاغ والمشاهدة ولم

يتصل به من حيث الحقيقة.

٢٩

 قول عز وعلا { محمد رسول اللّه والذين معه أشداء على الكفار } الآية: ٢٩

قال ابن عطاء: وصف محمدا صلى اللّه عليه وسلم بأنه رسول والرسول لا يكون إلا أمينا

مأمونا

ظاهرا وباطنا سرا وعلنا ووصف الصحابة الذين معه بأوصاف ثمانية وهي أحوال خصت

بها الخواص من أصحابه وهو حال البقاء واللقاء والحمد والوفاء والصدق والحياء

والصحبة والرضاء فخص أبا بكر منها بأحوال وهي حالة اللقاء لقول النبي صلى اللّه عليه

وسلم: ' إن

اللّه يتجلى للخلق عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة '.

وحال الصحبة لقوله تعالى: { إذ يقول لصاحبه } وحال الرضا بقوله: { ولسوف يرضى}

* وحال الوفاء لقوله: ' لو منعوني عناقا أو عقالا مما كانوا يؤدونها إلى رسول اللّه

لجاهدتهم أو لقاتلتهم ' وحال الصدق لقوله: { والذي جاء بالصدق } وخص عمر

بالجهد وعثمان بالحياء وعليا بالتقي رضي اللّه عنهم جميعا.

قال القاسم في قوله: { والذين معه } قال: كان عمر في وقت الكفر من الذين معه

في القبضة والقسمة، ومن الذين معه في الحكم والشريعة، سئل الحسين متى كان

محمد صلى اللّه عليه وسلم نبيا؟ وكيف جاءت رسالته؟ فقال نحن بعد في الرسول

والرسالة، والنبي

والنبوة. أين أنت عن ذكر ما لا ذاكرا له في الحقيقة إلا هو، وعن هوية من لا هوية له

إلا بهويته؟ وأين كان النبي عن نبوته حيث جرى القلم بقوله محمد رسول اللّه، والمكان

علة، والزمان علة، وأين أنت عن الحق والحقيقة، ولكن إذا اظهر اسم محمد صلى اللّه عليه

وسلم

بالرسالة عظم محله بذكره له بالرسالة فهو الرسول المكين والسفير الأمين جرى ذكره في

الأزل، لتمكين من الملائكة والأنبياء على أعظم محل وأشرف مكان.

قوله تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } الآية: ٢٩

قال سهل: المؤمن وجه للّه بلا قفا مقبل عليه غير معرض عنه، وذلك سيماء المؤمنين.

قال عامر بن عبد قيس: كان وجه المؤمن مخبر عن مكنون علمه وكذلك وجه الكافر

وذلك قوله: { سيماهم في وجوههم }.

وقال الفضيل: سيماء المؤمنين للخشوع والتواضع، وسيماء المنافقين الترفع والتكبر.

وقال بعضهم في هذه الآية: هي على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم.

وقال ابن عطاء: هي عليهم خلع للأنوار لائحة.

قال القاسم: هو اثر الخضوع والاستكانة تحت قضاء اللّه وقسمه.

وقال بعضهم: هو شغل قلوبهم بما عملوا هل قبل منهم أم رد عليهم.

قال عبد العزيز المكي: ليس هي النحولة والصفرة لكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدوا من باطنهم على ظاهرهم ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك في زنجي أو حبشي.

ذكر ما قيل في سورة الحجرات

﴿ ٠