سورة الحجرات

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله } الآية: ١

قال سهل: لا تقولوا قبل أن يقول وإذا قال فاقبلوا منه منصتين له سامعين إليه،

واتقوا اللّه في إهمال حقه وتضييع حرمته إن اللّه سميع لما تقولون عليم بما تعملون.

قال بعضهم: لا تطلبوا وراء منزلته منزلة.

٢

قوله عز وعلا: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية: ٢

قال ابن عطاء: زجر عن الأذى لئلا يتخطى أحد إلى ما فوقه من ترك الحرمة.

قال سهل: لا تخاطبوه إلا مستفهمين.

وقال أبو بكر بن طاهر: لاتبدأوه بالخطاب ولا تجيبوه إلا على سبيل الحرمة.

٣

قوله تعالى: { أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى } الآية: ٣

قال الحسين: من امتحن اللّه قلبه بالتقوى كان شعاره القرآن ودثاره الايمان، وسراجه التفكير، وطيبه التقوى، وطهارته التوبة، ونظافته الحلال، وزينته الورع،

وعلمه الآخرة، وثقته باللّه ومقامه عند اللّه، وصومه إلى الممات، وإفطاره من الجنة،

وجمعه للحسنات وكنزه أخلاقه، وحصته المراقبة، ونظره المشاهدة.

قال القاسم: هو الخروج من البشرية ومفارقة ما هو موجب في الطبيعة وهو حقيقة

التوحيد. لذلك دعا إليه نبيه إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم حيث نقله من دعاء البشرية إلى غيره وهو انه لما امتحنه بذبح ولده أراد أن يزيل عن سره كل سبب فلما اطمأن إلى ذلك وسمحت نفسه به قيل له { قد صدقت الرؤيا } وهو امتحان القلب للتقوى.

وقال بعضهم: { أولئك الذين امتحن اللّه } اخلص اللّه قلوبهم حتى كسبوا التقوى.

٥

قوله عز وعلا: { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم } الآية: ٥

قال أبو عثمان: الأدب عند الأكابر في مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى

الدرجات العلي، والخير في الأولى، والعقبى، ألا ترى اللّه يقول: { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم }.

٦

قوله عز وعلا: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } الآية: ٦

قال أبو بكر بن طاهر: الفاسق الذي لا يستحي من اللّه مما يستحي من المخلوقين.

قال سهل: الفاسق الكذاب.

وقال الوراق: الفاسق المعلن بالذنب.

٧

قوله تعالى: { ولكن اللّه حبب إليكم الإيمان } الآية: ٧

قال سهل: حبب إليكم العمل بأوامر الإيمان وزين في قلوبكم تلك الأوامر.

٨

قوله تعالى: { فضلا من اللّه ونعمة } الآية: ٨

قال سهل: تفضل اللّه عليهم فيما ابتدأهم به وهداهم إليه من أنواع القرب والزلف.

قوله تعالى: { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: المؤمن يكره العصيان ولكن يغيب عن شاهده التغلب على شواهد شهوته فيأتيها ذلك لنفاد نصيبه وتنبيها على ضعفه.

٩

قال سفيان الثوري: من كره اللّه إليه هذه الخصال المذمومة فأولئك هم الراشدون الصادقون في إيمانهم قوله تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين } الآية: ٩

قال سهل: هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة فإن بغى الطبع والهوى على العقل والروح والقلب، فليقاتله العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وأنوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبين والهوى والشهوة مغلوبين.

١٠

قوله تعالى: { إنما المؤمنون إخوة } الآية: ١٠

قال بعض الحكماء: بئس الأخ أخ تحتاج أن تعتذر إليه وبئس الأخ أخ تحتاج أن

تستقرضه وبئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك ومعناه انك إذا كنت من

أخيك على بال فاطلع على حاجتك لم يحوجك إلى السؤال وإذا أحسن الظن بك

عذرك من غير أن تعتذر إليه وهذا حكم الاخوة في اللّه.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت جعفر يقول سمعت أبا محمد المغازلي

يقول: من أراد أن تصح اخوته فليحفظ مودة إخوانه القدماء.

سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت أبا بكر النقاش يقول: سألت الجنيد

رحمة اللّه عليه عن الأخ الحقيقي؟ فقال: هو أنت في الحقيقة إلا أنه غيرك في الهيكل.

وحكى عن أبي عثمان الجريري يقول: اخوة الدين أثبت من اخوة النسب فإن اخوة

النسب تنقطع لمخالفة الدين واخوة الدين لا تنقطع لمخالفة النسب.

وأنشدني عبيد اللّه بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الزاهد قال: انشد أبو

بكر محمد بن الحسين الآجري قال: أنشدني بعض إخواني وذكر أنها لجعفر بن محمد

الصادق رضوان اللّه عليه:

* أخوك الذي لو جئت بالسيف عائدا

* لتضربه لم يستغشك في الود

*

* ولو جئت تدعوه إلى الموت لم يكن

* يردك إبقاء عليك من الوجد

*

* يرى أنه في الود نزر مقصر

* على أنه قد زاد فيه على الجهد

*

قال بعضهم: الاخوة في الدين ترك العادة الجارية في الرسم والتزام الشفقة والنصيحة

للإخوان ظاهرا وباطنا.

انشدني يوسف بن صالح الدسكوى قال: أنشدني بعض إخواني:

* وقلت أخي قالوا أخ من قرابة

* قلت نعم إن الشكول أقارب

*

* نسيبي في عرفي ورأى ومنصبي

* وإن باعدتنا في الديار المناسب

*

* عجبت لصبري بعده وهو ميت

* وقد كنت ابكيه دما وهو غائب

*

* ألا إنما الأيام قد صرن كلها

* عجائب حتى ليس فيها عجائب

*

سمعت أبا علي البيهقي يقول: سمعت أبا بكر الصولي يقول: سألت بعض الحكماء

من الأخ على الحقيقة؟ فقال: من تلقاه في الغيبة وتأنس بذكره في الخلوة وتعذره من

غير معذرة وتنبسط إليه من غير حشمة ولا تخفى منه ما يعلمه منك وتأمن وأنشدني في

هذا المعنى:

* أبلغ أخاك الإحسان بي حسنا

* إني وان كنت لا ألقاه ألقاه

*

* وإن طرفي موصولا برؤيته

* وإن تباعد عن مثواي مثواه

*

* اللّه يعلم اني لست أذكره

* وكيف اذكره من لست أنساه

*

أنشدني الحسين بن يحيى لأبي بكر بن داود:

* إن أخ الإحسان من يسعى معك

* ومن يضر نفسه لينفعك

*

* ومن إذا ريب الزمان صدعك

* بدد شمل نفسه ليجمعك

*

١١

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } الآية: ١١

قال يحيى بن معاذ: نهى اللّه عز وجل عن احتقار المؤمنين والازدراء بهم وتثاقل

النظر إليهم وترك حرماتهم بقوله: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } الآية.

١٢

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } الآية: ١٢

قال ابن سمعون: الظن ما يتردد في النفس من حيث املها باستدلالها على حظها

بوصفها فيتردد ولا يقف فيمكن من الايواء إليه فما كان هذا وصفه فهو ظن.

وقال أبو عثمان: من وجد في قلبه عيبا لأخيه ولا يعمل في صرف ذلك عن قلبه

بالدعاء له خاصة والتضرع إلى اللّه حتى يخلصه منه أخاف أن يبتليه اللّه في نفسه بتلك

المعايب.

قال سهل: من سلم من الظن سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور

ومن سلم من الزور سلم من البهتان.

وسئل بعضهم عن قول الحكيم: احترزوا من الناس بسوء الظن؟ فقال: بسوء الظن

بأنفسكم لا بهم.

قوله تعالى: { ولا تجسسوا } الآية: ١٢

قال سهل: لا تبحثوا عن طلب معايب ما ستره اللّه على عباده.

قوله تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا }

الآية: ١٣

قال بعضهم في هذه الآية: قال اللّه تعالى جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لا

لتتفاخروا فمن افتخر بغير الدين والإيمان والاسلام أو ممن وفقه اللّه لهذه المراتب قد

افتخر بلا شيء.

سمعت عبد اللّه بن محمد يقول: دخل أبو يعلى العلوي على عبد اللّه فنظر إليه

عبد اللّه وإلى ثيابه وزيه فقال: يا سيدي إن الذي به افتخارك لم يكن يفتخر بنفسه،

الا تراه كيف يرى نفسه من الفخر لما أخبر بما أمر به من السيادة قال: ' أنا سيد ولد آدم

ولا فخر '.

وقال عبد اللّه المعلم: لا فخر في سيادتي ولد آدم وإنما فخري بمن سودني.

قوله تعالى: { إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم } الآية: ١٣

قال جعفر: هو التقى على الحقيقة والمتقى المنقطع عن الأكوان إلى اللّه.

وقال أبو عثمان في قوله: { أكرمكم عند اللّه أتقاكم } قال الكريم من يتقي الشرك

واتقى من بعد الشرك المعاصي وفضيلة التقوى العلم باللّه ولا انتهاء العلم باللّه في طريق

الفضل فمن ازداد علما باللّه وأمره ازداد خوفا ومن ازداد خوفا ازداد كرما عند اللّه عز

وجل.

١٤

قوله تعالى: { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } الآية: ١٤

قال: ليس في الإيمان أسباب إنما الأسباب في الإسلام والمسلم محبوب إلى الخلق

والمؤمن غني عن الخلق.

قال بعضهم: الإيمان هو الذي يوجب الأمان وليس للنفس فيه دعوى وقد أكثرت

الشرح للإيمان في مسألة الإيمان وتثبيت معانيه.

١٥

قوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله } الآية: ١٥

قال ابن عطاء: المؤمن من جعل السبيل إلى الإيمان الاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم

وعلم أنه لا

سبيل إلى الحق إلا بمتابعته عليه السلام فمن ترك الحق الأدنى كيف يصل إلى الحق

الأعلى؟

١٧

قوله عز وعلا: { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم } الآية: ١٧

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لفظة المنة في محل التلبيس لأن العباد إن لم يصحبهم

رؤية المنة هلكوا لأن رؤية المنة حجاب كبير وفي رؤية المنة استدراج عظيم وكيف

وهؤلاء

من على أحد يعرفه وانما المنن على من حجبه فذكر المنن جواب في الحقيقة لمن من عليه

الا ترى إلى قوله: { يمنون عليك أن أسلموا } وفي كرمه لا تجوز المنة على أحد من

الناس إذ المنة تقع على من هو خارج من ملكه فالمن على نبيه يستحيل أما علمت أن

الكريم في الحقيقة لا يمن إذا كان الممتن عليه من خدمة.

قال الحسين في قوله: { بل اللّه يمن عليكم } قال: جواب لما سلف من قولهم لأن

أحدا لا يستطيع حمل مننه فكيف يمن على من لا خطر له عنده فكيف يمن بما لا وزن

له عنده على أحد.

قال القاسم: لو حققنا المنة لذات الكرم فإن الكريم لا يمن لأن الكل له عبده ولا

خطر ولا زيادة في وجوده ولا نقصان في فقده والمنة على من هو خارج من ملكه ومن

ملكه ومملكته.

قال الواسطي: آيسهم أن يكون لهم شيء من عندهم إلا ما أعطوا والمنة رؤية ما

منك معظما وترك رؤية ما إليك يطهر سرائرهم بذلك أن يروا لأنفسهم حالا.

قال سهل: استعملت الورع أربعين سنة ثم وقع منى إليها التفاتة فأدركني حياء ذلك

بقوله: يمنون عليك أن اسلموا.

ذكر ما قيل في سورة ق

﴿ ٠