سورة الحديدبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { سبح للّه ما في السماوات والأرض } الآية: ١ قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: أمر اللّه عباده بتسبيحه وقد سبح نفسه في الأزل فغيب كنه تسبيحه عن عباده فسبحه الخلق على العادة إلى أن يتحقق تسبيحه فيصل تسبيحهم بتسبيحه فيتحقق لهم التسبيح. قال جعفر: سبح الكل وهو غني عن تسبيحهم كيف يصل إليه ذلك وهو الذي أخرجه وتولى إظهاره. قوله تعالى: { وهو العزيز الحكيم } الآية: ١ قال القاسم: هو الذي لا يدركه طالبوه لتمام عزه ولا يلحقه الإشارات لكمال حكمته لأن المشار تدركه الأين ثم تلحقه. وقال جعفر: هو الذي لا يدركه طالبوه ولا يعجزه هاربوه. ٢قوله تعالى: { له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت } الآية: ٢ قال ابن عطاء هو مالك الكل وله الملك اجمع يميت من يشاء بالأشتغال بالملك ويحيى من يشاء للإقبال على الملك. ٣قوله تعالى: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } الآية: ٣ قال الواسطي: لم يدع للخلق نفسا بعدما أخبر عن نفسه انه الأول والآخر والظاهر والباطن. قال سهل: اسم اللّه الأعظم مكنى عنه في ست آيات في أول سورة الحديد من قوله: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وليس في الأسماء معنى المعرفة في المسمى ولا المعنى في عبادته إلا المعرفة بالمعبود. سمعت محمد بن عبد اللّه بن شاذان يقول: سمعت محمد بن الفضل وقد سئل عن قوله: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } فقال: أول ببره وآخر بعفوه وظاهر بإحسانه وباطن بستره. وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: من كان حظه من اسمه الأول كان شغله بما سبق ومن لاحظ اسمه الآخر كان مرتبطا بما يستقبله ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ومن كان من اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السرائر من أنواره. قال جعفر: هو الذي أول الأول واخر الآخر واظهر الظاهر وابطن الباطن فسقطت هذه المعاني وبقى هو. قال أبو بكر بن طاهر: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } هو الأول لآخره والآخر لأوله والظاهر لباطنه والباطن لظاهره. وقال أبو الحسين الواسطي: الأول المتقدم لكل أول والموجود قبل كل موهوم. قال بعضهم: الأول السابق إلى فعل الخير والمتقدم كل محسن إلى فعل الإحسان. وقال بعضهم: الآخر الباقي بعد فقد الخلق لفعل الإحسان والظاهر الغالب لكل أحد ومن ظهر على شيء فقد غلبه والظاهر الذي يعلم الظواهر ويشرف على السرائر والظاهر الذي ظهر للعقول بالأعلام وظهر للأرواح باليقين وإن خفي على أعين الناظرين والباطن الذي عرف الغائبات وأشرف على المستترات واستبطن علم المغيبات والباطن الذي خفى على الظاهر فلم يدرك إلا على السرائر. قال ابن عطاء: من كان شغله من هذه: الأول كان شغله بما سبق في السبق من مشيئته وقضائه ومنعه وعطائه ومن كان شغله بالآخرة كان شغله بما يستقبله من الأمر في التنقيل والتحويل على الدهور ومن كان شغله بالظاهر لاحظ عجائب قدرته وسلطانه وفضله وعدله ومن كان شغله الباطن دهش وذهل وتحير وخرس لسانه فلا له عبارة تعبر عنه ولا إشارة تشير وكوشف على قدر طاقته وطبعه فذهل فيها إلا من تولاه ببره وقام عنه بنفسه. قال أيضا: من كان حظه من اسمه الظاهر زين ظاهره بأنواع الخدمة ومن كان حظه من اسمه الباطن زين اسمه بأنوار العصمة. قال الواسطي: حظوظ الأنبياء مع تباينها من أربعة اسام وقيام كل فريق باسم فمن جمعها كلها فهو أوسطهم ومن فتئ عنها بعد ملابساتها فهو الكامل التام وهو قوله: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن }. وقال القناد: الأول السابق لكل خير والمتقدم لكل محسن إلى فعل الإحسان والآخر هو الخاتم بفعل الإحسان وكل من ختم بفعل الخير فهو ممدوح به إذ هو آخر فيه كما أن من سبق فيه فهو ممدوح لذلك. كان النبي صلى اللّه عليه وسلم آخر الأنبياء فكان خاتم النبيين. ٤قوله تعالى: { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها } الآية: ٤ قال سهل: يعلم ما يدخل قلبه من الصلاح والفساد وما يخرج منها من فنون الطاعات فتبين آثارها وأنوارها على الجوارح. قوله تعالى: { وهو معكم أينما كنتم } الآية: ٤ قال الحسين: ما فارق الأكوان الحق ولا قاربها كيف يفارقها وهو موجدها وحافظها وكيف يقارن الحدث العدم وبه قوام الكل وهو بائن عن الكل ألا تراه يقول: { وهو معكم أينما كنتم }. ٦قوله تعالى: { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } الآية: ٦ قال سهل: الليل نفس الطبع والنهار نفس الروح فإذا أراد اللّه بعبد خير ألف بين نفس طبعه ونفس روحه على إدامة الذكر فاظهر بذلك على صفاته أنوارا. ٧قوله تعالى: { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } الآية: ٧ قال أبو عثمان الأموال عوارى في أيدي أربابها فمن أراد التوفيق انفق من تلك العوارى طالبا لراحة يوم المعاد ومن لم يوفق جمع للعارية عارية وافنى فيها أيامه حتى يسلمها بأجمعها إلى من يخلفه فيها بعده قال اللّه تعالى: { آمنوا باللّه ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } الآية: ٧ ١٠قوله تعالى: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } الآية: ١٠ قال جعفر: الإرادة القوية والإيمان السليم للمهاجرين وأهل الصفة وإمامهم وسيدهم الصديق الأكبر وهم الذين لم يؤثروا الدنيا على الآخرة بل بذلوها ولم يعرجوا عليها واعتمدوا في ذلك على ربهم وطلبوا رضاه وموافقة الرسول صلى اللّه عليه وسلم فخصهم اللّه من بين الأمة بقوله: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل }. ١١قوله تعالى: { من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا } الآية: ١١ قال سهل: أعطى اللّه العباد فضلا ثم يسألهم قرضا فقال: { من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا }. قال الواسطي: القرض الحسن للعام وللخاص الخروج عن جميع الاملاك عن طيب النفس والرضا كأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه. وقال بعضهم: القرض الحسن أن يصرف بصره عن النظر إلى فعله والامتنان به وطلب العوض عليه ويلزم قلبه معرفة الشكر لما أهل له من اتباع موافقة الخطاب. وقال بعضهم: خاطب بالقرض السادة من الأولياء لأنهم قرضوا عن سرائرهم محبة الكونين وقطعوا عن قلوبهم حب ما دونه بأحد المقاريض فما بقي في سرائرهم اثر من العظيمتين فذلك القرض الحسن. ١٢قوله تعالى: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } الآية: ١٢ قال سهل: نور المؤمن يسير من بين يديه هيبة له في قلوب الموافق والمخالف فالموافق يعظمه ويعظم شأنه والمخالف يهابه ويخافه وهو من النور الذي جعله اللّه في أوليائه لا يظهر ذلك النور لأحد إلا انقاد له وخضع وذلك من نور الإيمان. ١٣قوله تعالى: { يوم يقول المنافقون والمنافقات } الآية: ١٣ قال القاسم: أنوار المؤمن سبعة نور الطبع ونور النفس ونور العلم ونور الهداية ونور التوفيق ونور الاستقامة ونور الوقوف بين يدي اللّه. قوله تعالى: { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } الآية: ١٣ قال سهل: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا بمعقولكم الذي كنتم تدبرون به أموركم في الدنيا فيرجعون إلى ورائهم فيضرب اللّه بين أنفسهم وعقولهم بسترة الحيرة فلا يصلون إلى هدى. ١٤قوله تعالى: { ينادونهم ألم نكن معكم } الآية: ١٤ قال الحسين بن معاذ: من خالف عقدك عقده خالف قلبك قلبه. قال حاتم الأصم: لا تصلح الموافقة إلا بالأسرار فأما موافقة الظاهر فإنه الرياء والمدامجة والموافقة موافقة الدين ثم موافقة الاعتقاد ثم موافقة الاخوة ثم موافقة المؤانسة ثم موافقة الصحبة ثم موافقة السنن والشريعة فمن صحت شريعته وصحت موافقته في هذه الأصول تصح عشرته وإلا فهو كما قال اللّه: { ينادونهم ألم نكن معكم) * في الظاهر { قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } بمخالفة الأصول في الباطن. قوله تعالى: { قالوا بلى ولكنكم } الآية. قال أبو بكر الوارق: الفتنة من أربعة أشياء فمن فر منها ينبغي أن يمحو عنوانه منها وهو الكلام والصحبة والزي والفضائل فإن ترك الكلام جعل الفعل عوضا منه وإن ترك زي النساك جعل أخلاقهم عوضا منه، فذلك الناجي من الفتنة إن شاء اللّه. قال أبو سعيد بن الاعرابي: { فتنتم أنفسكم } بالمعاصي: { وتربصتم وارتبتم } تشككتم و { غرتكم الأماني } فلم تستغفروا لما سلف منكم وركنتم إلى الدنيا * (وغركم باللّه الغرور } الشيطان والنفس والهوى والدنيا. ١٥قوله تعالى: { مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } الآية: ١٥ قال الواسطي: إذا تليتم الحق في السريرة ظهر الحق بالوسيلة وهو قوله: { مأواكم النار هي مولاكم } أي أولى الأشياء بكم وأقربها إليكم. ١٦قوله تعالى: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه } الآية: ١٦ قال سهل رحمة اللّه عليه: ألم يحن لهم أوان الخشوع عند سماع الذكر فيشاهدوا الوعد والوعيد مشاهد الغيب. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا الحسن بن ذرعان يقول: سمعت أحمد ابن الحواري يقول: بينما أنا في بعض طرقات البصرة إذ سمعت صعقة فأقبلت نحوها فرأيت رجلا مغشيا عليه فقلت: من هذا؟ قالوا: كان رجلا حاضر القلب فسمع آية من كتاب اللّه فخر مغشيا عليه. فقلت: وما هي؟ قال: { قوله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه }. فأفاق الرجل عند سماع كلامنا وأنشأ وجعل يقول: * أما آن للّهجران أن يتصرما * وللغصن غصن البان أن يتنسما * * وللعاشق الصب الذي ذاب وانحنى * ألم يأن أن يبكى عليه ويرحما * * كتبت بماء الشوق بين جوانحي * كتابا بأجلى نقش الوشي المنمنما * ثم قال: أشكال أشكال أشكال وخر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو ميت. قوله تعالى: { فقست قلوبكم } الآية: ١٦ قال سهل: باتباع الشهوات. قال أبو بكر الوراق: القسوة تتولد من قلة المراقبة. وقال النباحي: القسوة عقوبة المعصية. وقال الواسطي: هي انحراف القلب وهو أن يكله اللّه إلى تدبيره. وقال: قسوة القلب من العلم أشد من القسوة بالفعل. قال أبو عثمان: علامة قسوة القلب أن لا تعمل فيه الموعظة ولا تؤثر فيه النصيحة ولا تظهر يه بركة مجالسة الصالحين. قوله تعالى: { والذين آمنوا باللّه ورسله أولئك هم الصديقون }. سمعت عبد اللّه الرازي: يقول: سمعت أبا علي الجوزجاني يقول: الصديقون حزب اللّه خواصهم أهل المعرفة واوساطهم العقلاء. قال: وسمعت أبا علي يقول: قلوب الأبرار معلقة في الملكوت مقبلين ومدبرين وقلوب الصديقين معلقة بالعرش مقبلين باللّه وللّه. ٢٠قوله تعالى: { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو } الآية: ٢٠ قال ذو النون: خلق الدنيا مذمومة وأكثر منها ذما من طلبها وركن إليها وافتخر بها وارغب الناس فيها من أخفى طلبها وأكثر ذمها عند طلابها ولا سيما إذا كان ذمه للدنيا حرفة وهو الذي لا دواء لرأيه. سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أحمد بن مزاحم يقول: سمعت أبا بكر الوراق يقول: الدنيا دار بلاء ودار تعب وهوى فمن افنى مراده منها سلم من كل شيء. سمعت أبا الحسين يقول: سمعت أحمد يقول: سمعت أبا بكر الوارق يقول: الدنيا ما يفنى والآخرة ما يبقى ولا يفنى. وقال سهل: أصل الدنيا الجهل وفرعها المأكل والمشرب وحب اللباس والنوم والراحة والنساء والطيب والأموال وثمرتها المعاصي وهي التي تورث العقوبة وقسوة القلب وحب المعصية. وقال عمر المكي: ذكر اللّه الزهد في الدنيا تعريضا بالمدح والذم وأشار إليه تعريفا بالترغيب والترهيب والتشويق والتحذير فقال: { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو } الآية. قوله تعالى: { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } الآية: ٢٠ سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: ما شغل العبد عن الآخرة فهو الدنيا ومنهم من دنياه ضيعة عامرة ومنهم من دنياه تجارة دارة ومنهم من دنياه عزه وسلطانه ومنهم من دنياه عمله والمفاخرة به ومنهم من دنياه مجلسه ومختلفيه ومنهم من دنياه نفسه وشهوته كل أحد من الخلق مربوط منها بحظ. وقال ذو النون: يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا فإن طلبتموها فلا تحبوها فإ، الزاد منها والمقيل في غيرها. وقال ابن عطاء: وضعت سياسة الدنيا على القوة والتدبير وسياسة الدين على ملازمة الأمر والنهي والقصد إلى اللّه على التبري من الحول والقوة. قال سهل: الدنيا نفس نائمة والآخرة نفس يقظانة. ٢١قوله تعالى: { سابقوا إلى مغفرة من ربكم } الآية: ٢١ سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت أبا عمرو الأنماطي يقول: سمعت الجنيد قال: هذا الخطاب لما باشرته العقول نهضت مستحثة للجوارح بحسن التوجه لإقامة ما به يحظون عند من استجابوا لدعوته وفطنوا لإشارته وأقاموا تحت العلم بقربه وقرت عيونهم بما ورد على قلوبهم بالسرور بالخلوة جلاسا أناسا اكياسا لا يرهبون في الطريق غيره ولا يتوسلون إليه إلا به ولا يسألونه شيئا غير التمتع بخدمته وحسن المعرفة على موافقته. سمعت أبا بكر محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا سعيد القرشي يقول في قوله: { سابقوا إلى مغفرة من ربكم } قال: سارعوا إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم يوجب لكم المغفرة. ٢٢قوله تعالى: { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب } الآية: ٢٢ قال الجنيد: الصبر على درجات فصابر ما مسه من البلاء عين التدبير مخرجه ومن حقيقة الحكمة في الأزل كونه فلم يراجع لعلمه بما في القضاء لا محالة قبل أن ينسى أباه آدم عليه السلام إذ هو جزء من ذريته التي برأهم على مشيئته وأجرى عليهم ما شاء من نفاذ قدرته على ما سبق لهم منهم حيث قال: { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها }. فيسمع هذا من ربه وشهد بقلبه فوقع في الروح والراحة وانشرح صدره وهان عليه ما يصيبه. ٢٣قوله تعالى: { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } الآية: ٢٣ قال سهل رحمة اللّه عليه في هذه الآية دلالة على حال الرضا في الشدة والرخاء. قال القاسم: ما عند اللّه للعبد فيما يكره خيرا له مما يختاره فيما يحب. وقال: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم فإنك لا تدري ما قدر اللّه فيك وما قضى. قال الواسطي: تسليما للاقتدار ورضا بما قسم. قال بعضهم: لا تأسوا على القوم الذين تولى اللّه إضلالهم وصرف قلوبهم عن إدراك حقائق الحكمة. قال بعضهم: في قوله: { إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } أي قبل أن نخلق المصيبة ونظهرها على العبد فإنما أخبركم بذلك لكي لا تأسوا على ما فاتكم من المصائب في الأهل والمال ولا تفرحوا بما آتاكم من نعمة وصحة نفس وزيادة مال فإن الخيرة فيما اختار اللّه لكم وأنتم لا تدرون ما فيه الخيرة لكم فكم من نعمة تجلت عن غمة وكم ترحة انفرجت عن فرحة وانشد في أثره: * كم فرحة مطوية لك بين أثناء المصائب * ومسرة قد أقبلت من حيث تنتظر المصائب * قال الواسطي في قوله: { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } لأن ذلك من عظم المطالبة ولو طالعوا النعوت طبعا لما حزنوا لحظة، وأن اللّه كشفها لنا لكي نعتبر بذلك ونعلم أن النواصي بيد القائم عليهم في كل نفس. وقال السوسي: معناه لا تغتموا بمصائب الدنيا وتركنوا إلى سرورها فإنها فانية. قال الواسطي: الفرح بالكرامات من الاغترارات والجهالات والتوسل بالافضال نوع من الابتهال والخمود تحت جريان الأمور زين لكل مأمور. وقال العارف: مستهلك في كنه المعروف فإذا حصل بمقام المعرفة لا يبقى عليه فضل فرح ولا إساءة: قال اللّه: { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } الآية. ٢٤قوله تعالى: { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } الآية: ٢٤ قال الحريري: البخيل الذي يستأثر بشيء دون أخيه. وقال أبو عبيد البسري: البخل أن ترى لنفسك ملكا. وقال الجنيد: البخيل من كتب اسمه على خاتمة فقد اظهر بخله لأنه أخبر بذلك انه ليس لأحد فيه رفق. وقال أبو عثمان: البخل سجية النفس والسخاء تكلف فيها. سئل أبو حفص: من البخيل؟ قال: الذي لا يعطى عند السؤال والحاجة. قال محمد بن الفضل: البخيل من يلتذ بالامساك كما يلتذ السخى بالبذل. ٢٥{ وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب } الآية: ٢٥ قال بعضهم: ليبين اللّه للناس من ينصره. قوله: { إن اللّه قوي عزيز } الآية: ٢٥ عن حاجته إلى أحد لتمام قدرته وغير بصير من ظن أن نصره من المخلوقين. ٢٧قوله تعالى: { ورهبانية ابتدعوها * الآية: ٢٧ قل سهل: الرهبانية مشتقه من الرهبة وهو الخوف وملازمة خوف ما تعبدناهم به. قوله تعالى: { فما رعوها حق رعايتها } الآية: ٢٧ قال محمد بن خفيف: المريد الحذر من مطالعة عمله تقعده عن إقامة الأحوال الموظفة ويجره إلى دواعي الرخص بورود الفترة ويحذر أن يورده الاغماض في مناولة الدنيا والمسامحة في أخذها فإن اللّه عليكم رقيب. ٢٨قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وآمنوا برسوله } الآية: ٢٨ سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا الحسن المالكي يقول: من كان رأس ماله التقوى كلت الألسن عن وصف ربحه. قوله تعالى: { يؤتكم كفلين من رحمته } الآية: ٢٨ قال سهل: هو السر والغني والسر سر المعرفة والغنى غنى الطاعة للّه ورسوله. قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } يا أيها المؤمنون اتقوا اللّه أن يسلبكم حلاوة معرفته وسرور محبته وآمنوا برسوله أي اقتدوا به في محبته لمولاه واستسلام نفسه إليه يؤتكم كفلين من رحمته: نور من نوره وهو نور تقوون به في ذكره ونور تقوون به ويؤيدكم بنوره الساطع في أرواح أهل محبته الذي يقوون به على سماع كلامه والتمتع بمخاطبته لهم على الانقطاع عن الأكوان والاتصال به ويغفر لكم ذنوبكم وملاحظاتكم أنفسكم. ذكر ما قيل في سورة المجادلة |
﴿ ٠ ﴾