٢٧قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧) قال بعض العلماء: إن هذه الآية لباطل نصارى نجران في قولهم: إن عيسى هو الله وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة أن عيسى عليه السلام ليس في شيء منها، وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي عليه السلام سأل ربه أن يجعل في أمته ملك فارس والروم فنزلت الآية في ذلك، وقال مجاهد: الْمُلْكِ في هذه الآية النبوة، والصحيح أنه مالِكَ الْمُلْكِ كله مطلقا في جميع أنواعه، وأشرف ملك يؤتيه سعادة الآخرة وروي أن الآية نزلت بسبب أن النبي عليه السلام بشّر أمته بفتح ملك فارس وغيره فقالت اليهود والمنافقون: هيهات وكذبوا ذلك، واختلف النحويون في تركيب لفظة اللَّهُمَّ بعد إجماعهم على أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة وأنها منادى، ودليل ذلك أنها لا تأتي مستعملة في معنى خبر، فمذهب الخليل وسيبويه والبصريين، أن الأصل «يا لله» فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو- يا- جعلوا بدل حرف النداء هذه الميم المشددة، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد، وذهب حرفان فعوض بحرفين، ومذهب الفراء والكوفيين، أن أصل اللَّهُمَّ يا لله أم: أي أم بخير وأن ضمة الهاء هي ضمة الهمزة التي كانت في أم نقلت، ورد الزجاج على هذا القول وقال: محال أن يترك الضم الذي هو دليل على نداء المفرد وأن تجعل في اسم الله ضمة أم، هذا إلحاد في اسم الله تعالى. قال القاضي أبو محمد: وهذا غلو من الزجاج، وقال أيضا: إن هذا الهمز الذي يطرح في الكلام فشأنه أن يؤتى به أحيانا كما قالوا: «ويلمه» في ويل أمه والأكثر إثبات الهمزة، وما سمع قط «يا لله أم» في هذا اللفظ، وقال أيضا: ولا تقول العرب «ياللهم» ، وقال الكوفيون: إنه قد يدخل حرف النداء على اللَّهُمَّ وأنشدوا على ذلك: [الرجز] وما عليك أن تقولي كلما ... سبحت أو هللت ياللهم ما اردد علينا شيخنا مسلّما قالوا: فلو كانت الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا، قال الزجاج: وهذا شاذ لا يعرف قائله ولا يترك له ما في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب، قال الكوفيون: وإنما تزاد الميم مخففة في «فم وابنم» ونحوه فأما ميم مشددة فلا تزاد، قال البصريون: لما ذهب حرفان عوض بحرفين، ومالك نصب على النداء، نص سيبويه ذلك في قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الزمر: ٤٦] وقال: إن اللَّهُمَّ لا يوصف لأنه قد ضمت إليه الميم، قال الزجاج: ومالك عندي صفة لاسم الله تعالى وكذلك فاطِرِ السَّماواتِ قال أبو علي: وهو مذهب أبي العباس، وما قال سيبويه أصوب وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد اللَّهُمَّ لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت والأصوات لا توصف نحو، غاق وما أشبه، وكأن حكم الاسم المفرد أن لا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه أن لا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت نحو، «حيهل» فلم يوصف، قال النضر بن شميل: من قال اللَّهُمَّ فقد دعا الله بجميع أسمائه كلها، وقال الحسن: اللَّهُمَّ مجمع الدعاء. وخص الله تعالى: الْخَيْرُ بالذكر وهو تعالى بيده كل شيء، إذ الآية في معنى دعاء ورغبة فكأن المعنى بِيَدِكَ الْخَيْرُ فأجزل حظي منه، وقيل المراد بِيَدِكَ الْخَيْرُ والشر فحذف لدلالة أحدهما على الآخر، كما قال تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] قال النقاش: بِيَدِكَ الْخَيْرُ أي النصر والغنيمة فحذف لدلالة أحدهما، وقال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وابن زيد في معنى قوله تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ الآية: أنه ما ينتقص من النهار فيزيد في الليل وما ينتقص من الليل فيزيد في النهار دأبا كل فصل من السنة، وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر. واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الآية، فقال الحسن: معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وروي نحوه عن سلمان الفارسي، وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه فإذا بامرأة حسنة النغمة فقال: من هذه؟ قالت إحدى خالاتك فقال: إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب، أي خالاتي هي؟ قالت: خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث فقال النبي عليه السلام: سبحان الذي يخرج الحي من الميت، وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا وهو أحد المستهزئين الذين كفيهم النبي عليه السلام. قال أبو محمد: فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن والحياة والموت مستعاران، وذهب جمهور كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية إنما هو الحياة حقيقة والموت حقيقة لا باستعارة، ثم اختلفوا في المثل التي فسروا بها فقال عكرمة: هو إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية ولفظ الإخراج في هذا المثال وما ناسبه لفظ متمكن على عرف استعماله، وقال عبد الله بن مسعود في تفسير الآية: هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ويخرج الرجل منها وهي ميتة. قال القاضي أبو محمد: ولفظ الإخراج في تنقل النطفة حتى تكون رجلا إنما هو عبارة عن تغير الحال كما تقول في صبي جيد البنية: يخرج من هذا رجل قوي، وهذا المعنى يسميه ابن جني: التجريد أي تجرد الشيء من حال إلى حال هو خروج. وقد يحتمل قوله تعالى: وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أن يراد به أن الحيوان كله يميته فهذا هو معنى التجريد بعينه وأنشد ابن جني على ذلك: أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا ... وفي الله- إن لم ينصفوا- حكم عدل وروى السدي عن أبي مالك قال في تفسير الآية: هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة، والنواة تخرج من النخلة والنخلة تخرج من النواة والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه، وقوله تعالى: بِغَيْرِ حِسابٍ قيل معناه بغير حساب منك لأنه تعالى لا يخاف أن تنتقص خزائنه، هذا قول الربيع وغيره، وقيل معنى بِغَيْرِ حِسابٍ أي من أحد لك، لأنه تعالى لا معقب لأمره، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «الميت» بسكون الياء في جميع القرآن. وروى حفص عن عاصم «من الميّت» بتشديد الياء، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «الميّت» بتشديد الياء في هذه الآية، وفي قوله: لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف: ٥٧] وإِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ [فاطر: ٩] وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف، قال أبو علي: الْمَيِّتِ هو الأصل والواو التي هي عين منه انقلبت ياء لإدغام الياء فيها وميت التخفيف محذوف منه عينه أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب، والحذف حسن والإتمام حسن وما مات وما لم يمت في هذا الباب يستويان في الاستعمال. قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وذهب قوم إلى أن «الميت» بالتخفيف إنما يستعمل فيما قد مات، وأما «الميّت» بالتشديد فيستعمل فيما مات وفيما لم يمت بعد. قوله تعالى: |
﴿ ٢٧ ﴾