١١٧

وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)

تَمَّتْ في هذا الموضع بمعنى استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا، وليس بتمام من نقص، ومثله ما وقع في كتاب السيرة من قولهم وتم حمزة على إسلامه في الحديث مع أبي جهل، و «الكلمات» ما نزل على عباده، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «كلمة» بالإفراد هنا وفي يونس في الموضعين وفي حم المؤمن. وقرأ نافع وابن عامر جميع ذلك «كلمات» بالجمع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا فقط «كلمات» بالجمع، وذهب الطبري إلى أنه القرآن كما يقال كلمة فلان في قصيدة الشعر والخطبة البليغة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي بعيد معترض، وإنما القصد العبارة عن نفوذ قوله تعالى:

صِدْقاً فيما تضمنه من خبر وَعَدْلًا فيما تضمنه من حكم، وهما مصدران في موضع الحال، قال الطبري نصبا على التمييز وهذا غير صواب، ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ معناه في معانيها بأن يبين أحد أن خبره بخلاف ما أخبر به أو يبين أن أمره لا ينفذ، والمثال من هذا أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ [التوبة ٨٣] إلى الخالفين، فقال المنافقون بعد ذلك للنبي عليه السلام وللمؤمنين ذرونا نتبعكم فقال الله لنبيه: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح: ١٥] أو في قوله فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً [التوبة: ٨٣] لأن مضمنه الخبر بأن لا يباح لهم خروج، وأما الألفاظ فقد بدلتها بنو إسرائيل وغيرتها، هذا مذهب جماعة من العلماء، وروي عن ابن عباس أنهم إنما بدلوا بالتأويل والأول أرجح، وفي حرف أبي بن كعب، «لا مبدل لكلمات الله» ، وقوله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ الآية، المعنى فامض يا محمد لما أمرت به وانفذ لرسالتك فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك وذكر أَكْثَرَ لأن أهل الأرض حينئذ كان أكثرهم كافرين ولم يكن المؤمنون إلا قلة، وقال ابن عباس: الْأَرْضِ هنا الدنيا، وحكي أن سبب هذه الآية أن المشركين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر الذبائح وقالوا: تأكل ما تقتل وتترك ما قتل الله؟، فنزلت الآية، ووصفهم عز وجل بأنهم يقتدون بظنونهم ويتبعون تخرصهم، والخرص الحزر والظن وقرأ جمهور الناس «يضل» بفتح الياء.

وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يضل» بضم الياء، ورواه أحمد بن أبي شريح عن الكسائي، ومَنْ في قوله مَنْ يَضِلُّ في موضع نصب بفعل مضمر تقديره يعلم من، وقيل في موضع رفع كأنه قال أي يضل عن سبيله ذكره أبو الفتح وضعفه أبو علي وقيل في موضع خفض بإضمار باء الجر كأنه قال: بمن يضل عن سبيله، وهذا ضعيف، قال أبو الفتح هذا هو المراد فحذفت باء الجر ووصل أَعْلَمُ بنفسه، قال ولا يجوز أن يكون أَعْلَمُ مضافا إلى مَنْ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه، وهذه الآية خبر في ضمنه وعيد للضالين ووعد للمهتدين.

قوله عز وجل:

﴿ ١١٧