٥وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ الآية، قال ابن جريح نزلت في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وقيل في أبي جهل بن هشام ثم هي بعد تتناول كل من اتصف بهذه الصفة، و «المجادلة» المحاجة والموادة مؤخوذة من الجدل وهو الفتل والمعنى في قدرة الله تعالى وصفاته، وكان سبب الآية كلام من ذكر وغيرهم في أن الله تعالى لا يبعث الموتى ولا يقيم الأجساد من القبور، و «الشيطان» هنا هو مغويهم من الجن ويحتمل أن يكون الشيطان من الإنس والإنحاء على متبعيه، و «المريد» المتجرد من الخير للشر ومنه الأمرد، وشجرة مردى أي عارية من الورق، وصرح ممرد أي مملس من زجاج، وصخرة مرداء أي ملساء. والضمير في عَلَيْهِ عائد على الشيطان قاله قتادة ويحتمل أن يعود على المجادل وأَنَّهُ في موضع رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله وأَنَّهُ الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها وقيل هي مكررة للتأكيد فقط وهذا معترض بأن الشيء لا يؤكد إلا بعد تمامه وتمام «أن» الأولى إنما هو بصلتها في قوله السَّعِيرِ وكذلك لا يعطف ولسيبويه في مثل هذا أَنَّهُ بدل، وقيل أَنَّهُ خبر ابتداء محذوف تقديره فشأنه أنه يضله وقدره أبو علي فله أن يضله. قال القاضي أبو محمد: ويظهر لي أن الضمير في أَنَّهُ الأولى للشيطان وفي الثانية لمن الذي هو المتولي، وقوله وَيَهْدِيهِ بمعنى يدله على طريق ذلك وليست بمعنى الإرشاد على الإطلاق، وقرأ أبو عمرو «إنه من تولاه فإنه يضله» بالكسر فيهما، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ الآية هذا احتجاج على العالم بالبداءة الأولى وضرب الله تعالى في هذه الآية مثلين إذا اعتبرهما الناظر جوز في العقل البعثة من القبور، ثم ورد خبر الشرع بوجوب ذلك ووقوعه، و «الريب» الشك، وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ شرط مضمنه التوفيق، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «البعث» بفتح العين وهي لغة في البعث عند البصريين وهي عند الكوفيين تخفيف بعث وقوله تعالى: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ يريد آدم ثم سلط الفعل عليهم من حيث هم من ذريته، وقوله تعالى: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يريد المني الذي يكون من البشر، و «النطفة» تقع على قليل الماء وكثيره، وقال النقاش المراد نُطْفَةٍ آدم، وقوله تعالى: ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، يريد من الدم تعود النطفة إليه في الرحم أو المقارن للنطفة، والعلق، الدم العبيط وقيل العلق، الشديد الحمرة فسمي الدم لذلك، وقوله تعالى: ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ يريد بضعة لحم على قدر ما يمضغ، وقوله تعالى: مُخَلَّقَةٍ معناه متممة البنية، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ غير متممة أي التي تستسقط قاله مجاهد وقتادة والشعبي وأبو العالية فاللفظة بناء مبالغة من خلق ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل واحد منها مختص بخلق حسن في جملته تضعيف الفعل لأن فيه خلقا كثيرة، وقرأ ابن أبي عبلة «مخلقة» بالنصب «وغير» بالنصب في الراء ويتصل بهذا الموضوع من الفقه أن العلماء اختلفوا في أم الولد إذا أسقطت مضغة لم تصور هل تكون أم ولد بذلك فقال مالك والأوزاعي وغيرهما: هي أم ولد بالمضغة إذا علم أنها مضغة الولد، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا حتى يتبين فيه خلق ولو عضو واحد، وقوله تعالى: لِنُبَيِّنَ قالت فرقة معناه لنبين أمر البعث فهو اعتراض بين الكلامين، وقرأت هذه الفرقة بالرفع في «نقرّ» ، المعنى ونحن نقر وهي قراءة الجمهور، وقالت فرقة لِنُبَيِّنَ معناه بكون المضغة غير مخلقة وطرح النساء إياها كذلك نبين للناس أن المناقل في الرحم هي هكذا، وقرأت هذه الفرقة «ونقرّ» بالنصب وكذلك قرأت «ونخرجكم» بالنصب وهي رواية المفضل عن عاصم، وحكى أبو عمرو الداني أن رواية المفضل هذه هي بالياء في «يقر» وفي «يخرجكم» والرفع على هذا التأويل سائغ ولا يجوز النصب على التأويل الأول، وقرأ ابن وثاب «ما نشاء» بكسر النون، و «الأجل المسمى» هو مختلف بحسب جنين جنين فثم من يسقط وثم من يكمل أمره ويخرج حيا، وقوله تعالى: طِفْلًا اسم الجنس أي أطفالا، واختلف الناس في «الأشد» من ثمانية عشر إلى ثلاثين، إلى اثنين وثلاثين، إلى ستة وثلاثين، إلى أربعين، إلى خمسة وأربعين، واللفظ تقال باشتراك، فأشد الإنسان على العموم غير أشد اليتيم الذي هو الاحتلام، و «الأشد» في هذه الآية يحتمل المعنيين، والرد إلى أرذل العمر هو حصول الإنسان في زمانة واختلال قوة حتى لا يقدر على إقامة الطاعات واختلال عقل حتى لا يقدر على إقامة ما يلزمه من المعتقدات، وهذا أبدا يلحق مع الكبر وقد يكون أَرْذَلِ الْعُمُرِ في قليل من السن بحسب شخص ما لحقته زمانة وقد ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أَرْذَلِ الْعُمُرِ خمسة وسبعون سنة وهذا فيه نظر وإن صح عن علي رضي الله عنه فلا يتوجه إلا أن يريد على الأكثر فقد نرى كثيرا أبناء ثمانين سنة ليسوا في أرذل العمر، وقرأ الجمهور «العمر» مشبعة وقرأ نافع «العمر» مخففة الميم واختلف عنه، قوله تعالى: لِكَيْلا يَعْلَمَ أي لينسى معارفه وعلمه الذي كان معه فلا يعلم من ذلك شيئا فهذا مثال واحد يقضي للمعتبر به أن القادر على هذه المناقل المتقن لها قادر على إعادة تلك الأجساد التي أوجدها بهذه المناقل إلى حالها الأولى. قوله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ ... هذا هو المثال الذي يعطي للمعتبر فيه جواز بعث الأجساد وذلك أن إحياء الأرض بعد موتها بين فكذلك الأجساد، وهامِدَةً معناه ساكنة دارسة بالية ومنه قيل همد الثوب إذا بلي، قال الأعشى: [الكامل] قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا ... وأرى ثيابك باليات همدا واهتزاز الأرض هو حركتها بالنبات وغير ذلك مما يعتريها بالماء، وَرَبَتْ معناه نشزت وارتفعت ومنه الربوة وهو المكان المرتفع، وقرأ جعفر بن القعقاع «وربأت» بالهمز، ورويت عن أبي عمرو وقرأها عبد الله بن جعفر وخالد بن إلياس وهي غير وجيهة ووجهها أن تكون من ربأت القوم إذا علوت شرفا من الأرض طليعة فكأن الأرض بالماء تتطاول وتعلو، و «الزوج» النوع، و «البهيج» فعيل من البهجة وهي الحسن قاله قتادة وغيره. قوله عز وجل: |
﴿ ٥ ﴾