١٤وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة الكلام على جملة وإن تباينت في المعاني، واختلف المفسرون في قوله الْإِنْسانَ فقال قتادة وغيره: أراد آدم عليه السلام لأنه استل من الطين ع ويجيء الضمير في قوله ثُمَّ جَعَلْناهُ عائدا على ابن آدم وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر وأن المعنى لا يصلح إلا له، نظير ذلك حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] وغيره، وقال ابن عباس وغيره المراد بقوله الْإِنْسانَ ابن آدم، وسُلالَةٍ مِنْ طِينٍ صفوة الماء ع وهذا على أنه اسم الجنس ويترتب فيه أنه سلالة من حيث كان الكل عن آدم أو عن أبويه المتغذيين بما يكون من الماء والطين وذلك السبع الذي جعل الله رزق ابن آدم فيها، وسيجيء قول ابن عباس فيها إن شاء الله، وعلى هذا يجيء قول ابن عباس: إن «السلالة» هي صفوة الماء يعني المني، وقال مجاهد سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ: مني آدم ع وهذا نبيل إذ آدم طين وذريته من سلالة، وما يكون عن الشيء فهو سلالته، وتختلف وجوه ذلك الكون فمنه قولهم للخمر سلالة لأنها سلالة العنب ومنه قول الشاعر: [الطويل] إذا أنتجت منها المهار تشابهت ... على العود إلا بالأنوف سلائله ومن اللفظ قول هند بنت النعمان بن بشير: سليلة أفراس تجللها بغل ومنه قول الآخر [حسان بن ثابت] : [الطويل] فجاءت به عضب الأديم غضنفرا ... سلالة فرج كان غير حصين وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في «جعلنا وأنشأنا» ، والنُّطْفَةَ تقع في اللغة على قليل الماء وعلى كثيره، وهي هنا لمني ابن آدم، و «القرار المكين» من المرأة هو موضع الولد، و «المكين» المتمكن فكأن القرار هو المتمكن في الرحم، والْعَلَقَةَ الدم الغريض، والْمُضْغَةَ بضعة اللحم قدر ما يمضغ، وقرأ الجمهور عِظاماً في الموضعين، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «عظما» بالإفراد في الموضعين، وقرأ السلمي وقتادة والأعرج والأعمش بالإفراد أولا وبالجمع في الثاني، وقرأ مجاهد وأبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكير بعكس ذلك، وفي قراءة ابن مسعود، «ثم جعلنا المضغة عظاما وعصبا فكسوناه لحما» ، واختلف الناس في «الخلق الآخر» ، فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه، وقال ابن عباس أيضا: خروجه إلى الدنيا، وقال قتادة عن فرقة: نبات شعره، وقال مجاهد: كمال شبابه وقال ابن عباس أيضا: تصرفه في أمور الدنيا. قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها آخَرَ، وأول رتبة من كونه آخَرَ هي نفخ الروح فيه، والطرف الآخر من كونه آخَرَ تحصيله المعقولات، و «تبارك» مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة، وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله آخَرَ قال فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت، ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل، ويروى أن قائل ذلك هو عبد الله بن أبي سرح وبهذا السبب ارتد، وقال أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد وفيه نزلت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [الأنعام: ٩٣] ، الآية وقوله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئا خلقه ومنه قول الشاعر: [الكامل] ولأنت تفري ما خلقت ... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، فقال ابن جريج: إنما قال الْخالِقِينَ لأنه تعالى قد أذن لعيسى في أن يخلق، واضطرب بعضهم في ذلك، ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع وإنما هي منفية الاختراع والإيجاد من العدم، ومن هذه الآية قول ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا الله أعلم، فقال عمر: ما تقول يا ابن عباس، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله خلق السماوات سبعا، والأرضين سبعا، وخلق ابن آدم من سبع، وجعل رزقه في سبع، فأراها في ليلة سبع وعشرين، فقال: أعجزكم أن تأتوا بمثل ما أتى به هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه وهذا الحديث بطوله في مسند ابن أبي شيبة فأراد ابن عباس بقوله خلق ابن آدم من سبع هذه الآية، وبقوله جعل رزقه في سبع قوله فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عبس: ٢٧] الآية السبع منها لابن آدم والأب للأنعام والقضب يأكله ابن آدم ويسمن منه النساء هذا قول، وقيل القضب البقول لأنها تقضب فهي رزق ابن آدم، وقيل القضب والأب للأنعام والستة الباقية لابن آدم والسابعة هي الأنعام إذ هي من أعظم رزق ابن آدم. قوله عز وجل: |
﴿ ١٤ ﴾