٤

طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤)

تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا، وقوله تعالى: تِلْكَ يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف، فمن جعل طسم مثالا لحروف المعجم جاءت الإشارة ب تِلْكَ إلى حروف المعجم، ومن قطعها قال تِلْكَ في موضع هذه، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئا فشيئا فسائغ أن يقال في الإشارة إليها تِلْكَ.

قال القاضي أبو محمد: والأصل أن تِلْكَ إشارة إلى ما غاب و «هذه» إشارة إلى ما حضر، وقد تتداخل متى كان في الغيبة حصول وثقة به تقوم مقام الحضور- ومتى كان في الحضور بعد ما يقوم مقام الغيبة فمن ذلك قوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: ١٧] لما كان موسى لا يرى ربه تعالى، فهو وعصاه في منزل غيب، فساغ ذلك، ومن النقيض قول المؤلف لكتاب ونحوه هذا كتاب وما جرى هذا المجرى فتتبعه فهو كثير فيشبه في آياتنا هذه أن تكون تِلْكَ بمنزلة هذه آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة، ونَتْلُوا معناه نقص ونتابع القصص، وخص تعالى بقوله لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ من حيث هم المنتفعون بذلك دون غيرهم فخصوا تشريفا، وعَلا فِي الْأَرْضِ من علو الطغيان والتغلب، وقوله فِي الْأَرْضِ يريد في أرض مصر وموضع ملكه، ومتى جاءت الْأَرْضِ هكذا عامة فإنما يراد بها الأرض التي تشبه قصة القول المسوق لأن الأشياء التي تعم الأرض كلها قليلة والأكثر ما ذكرناه، و «الشيع» الفرق، وكان هذا الفعل من فرعون بأن جعل القبط ملوكا مستخدمين، وجعل بني إسرائيل عبيدا مستخدمين، وهم كانوا الطائفة المستضعفة، ويُذَبِّحُ مضعف للمبالغة والعبارة عن تكرار الفعل، وقال قتادة كان هذا الفعل من فرعون بأنه قال له كهنته وعلماؤه إن غلاما لبني إسرائيل يفسد ملكك، وقال السدي: رأى في ذلك رؤيا- فأخذ بني إسرائيل يذبح الأطفال سنين فرأى أنه يقطع نسلهم، فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما، فولد هارون في عام الاستحياء وولد موسى في عام الذبح، وقرأ جمهور القراء «يذبح» بضم الياء وكسر الباء على التكثير، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن بفتح الياء وسكون الذال، قال وهب بن منبه: بلغني أن فرعون ذبح في هذه المحاولة سبعين ألفا من الأطفال، وقال النقاش: جميع ما قتل ستة عشر طفلا.

قال الفقيه الإمام القاضي: طمع بجهله أن يرد القدر وأين هذا المنزع من قول النبي عليه السلام «فلن تقدر عليه» يعني ابن صياد، وباقي الآية بين.

قوله عز وجل:

﴿ ٤