|
١٠ حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) تقدم القول في: حم. وقوله: وَالْكِتابِ الْمُبِينِ قسم أقسم الله تعالى به. و: الْمُبِينِ يحتمل أن يكون من الفعل المتعدي، أي يبين الهدى والشرع ونحوه، ويحتمل أن يكون من غير المتعدي، أي هو مبين في نفسه. وقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ يحتمل أن يقع القسم عليه، ويحتمل أن يكون: إِنَّا أَنْزَلْناهُ من وصف الكتاب فلا يحسن وقوع القسم عليه، وهذا اعتراض يتضمن تفخيم الكتاب ويحسن القسم به، ويكون الذي وقع القسم عليه: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. واختلف الناس في تعيين الليلة المباركة، فقال قتادة والحسن: هي ليلة القدر، وقالوا: إن كتب الله كلها إنما نزلت في رمضان: التوراة في أوله، والإنجيل في وسطه، والزبور في نحو ذلك ونزل القرآن في آخره في ليلة القدر، ومعنى هذا النزول: أن ابتداء النزول كان في ليلة القدر، وهذا قول الجمهور. وقالت فرقة: بل أنزله الله جملة ليلة القدر إلى البيت المعمور، ومن هنالك كان جبريل يتلقاه. وقال عكرمة وغيره: الليلة المباركة هي النصف من شعبان. وقوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا معناه: يفصل من غيره ويتخلص، وروي عن عكرمة في تفسير هذه الآية أن الله تعالى يفصل للملائكة في ليلة النصف من شعبان، وقال الحسن وعمير مولى غفرة ومجاهد وقتادة: في ليلة القدر كل ما في العام المقبل من الأقدار والآجال والأرزاق وغير ذلك، ويكتب ذلك لهم إلى مثلها من العام المقبل. قال هلال بن يساف كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان. وروي في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الرجل يتزوج ويعرس وقد خرج اسمه في الموتى، لأن الآجال تقطع في شعبان» . وقرأ الحسن والأعرج والأعمش: «يفرق» بفتح الياء وضم الراء. و: حَكِيمٍ بمعنى محكم. وقوله: أَمْراً مِنْ عِنْدِنا نصب على المصدر. وقوله: مِنْ عِنْدِنا صفة لقوله: أَمْراً. وقوله: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ يحتمل أن يريد الرسل والأنبياء، ويحتمل أن يريد الرحمة التي ذكر بعد، وعلى التأويل الأول نصب قوله: رَحْمَةً على المصدر، ويحتمل أن يكون نصبها على الحال. وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ تقرير وتثبيت، أي إن كنت موقنا بهذا يكون يقينك، كما تقول لإنسان تقيم نفسه: العلم غرضك إن كنت رجلا. وقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي مالككم ومالك آبائكم الأولين. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «ربّ السماوات» بالرفع على القطع والاستئناف، وهي قراءة الأعرج وابن أبي إسحاق وأبي جعفر وشيبة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالكسر على البدل مِنْ رَبِّكَ المتقدم، وهي قراءة ابن محيصن والأعمش. وأما قوله تعالى: «ربّكم وربّ» فالجمهور على رفع الباء. وقرأ الحسن بالكسر، رواها أبو موسى عن الكسائي. وقوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ إضراب قبله نفي مقدر، كأنه يقول: ليس هؤلاء ممن يؤمن ولا ممن يتبع وصاة، بل هم في شك يلعبون في أقوالهم وأعمالهم. واختلف الناس في الدخان الذي أمر الله تعالى بارتقابه، فقالت فرقة منها علي بن أبي طالب وزيد بن علي وابن عمر وابن عباس والحسن بن أبي الحسن وأبو سعيد الخدري: هو دخان يجيء قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين حتى تكون كأنها مصلية حنيذة. وقالت فرقة منها عبد الله بن مسعود وأبو العالية وإبراهيم النخعي: هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف، فكان الرجل يرى من الجدب والجوع دخانا بينه وبين السماء، وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل. وقال ابن مسعود: خمس قد مضين، الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم وذكر الطبري حديثا عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول آيات الساعة الدخان، ونزول عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عدن» ، وضعف الطبري سند هذا الحديث، واختار قول ابن مسعود رضي الله عنه في الدخان قال: ويحتمل إن صح حديث حذيفة أن يكون قد مر دخان ويأتي دخان. قوله عز وجل: |
﴿ ١٠ ﴾