٢٩

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)

الضمير في: عَلَيْهِمْ عائد على كفار قريش. والآيات: هي آيات القرآن وحروفه بقرينة قوله:

تُتْلى وعابت هذه الآية سوء مقاولتهم، وأنهم جعلوا بدل الحجة التمني المتشطط والطلب لما قد حتم الله أن لا يكون إلا إلى أجل مسمى.

وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن عامر فيما روى عنه عبد الحميد، وعاصم فيما روى هارون وحسين عن أبي بكر عنه «حجتهم» بالرفع على اسم كانَ والخبر في أَنْ. وقرأ جمهور الناس «حجتهم» بالنصب على مقدم واسم كانَ في أَنْ.

وكان بعض قريش قد قال: أحي لنا قصيا فإنه كان شيخ صدق حتى نسأله، إلى غير ذلك من هذا النحو، فنزلت الآية في ذلك، وقالوا لمحمد عليه السلام: ائْتُوا من حيث المخاطبة له، والمراد هو وإلهه والملك الوسيط الذي ذكر هولهم، فجاء من ذلك جملة قيل لها ائْتُوا وإِنْ كُنْتُمْ.

ثم أمر تعالى نبيه أن يخبرهم بالحال السالفة في علم الله التي لا تبدل، وهي أنه يحيي الخلق ويميتهم بعد ذلك ويحشرهم بعد إماتتهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

وقوله: لا رَيْبَ فِيهِ أي في نفسه وذاته. والأكثر الذي لا يعلم هم الكفار والأكثر هنا على بابه.

وقوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ قالت فرقة: العامل في: يَوْمَ قوله: يَخْسَرُ وجاء قوله:

يَوْمَئِذٍ بدلا مؤكدا. وقالت فرقة: العامل في: يَوْمَ فعل يدل عليه الملك، وذلك أن يوم القيامة حال ثالثة ليست بالسماء ولا بالأرض، لأن ذلك يتبدل، فكأنه قال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والملك يوم القيامة، وينفرد يَخْسَرُ بالعمل في قوله: يَوْمَئِذٍ و: الْمُبْطِلُونَ الداخلون في الباطل.

وقوله تعالى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ وصف حال القيامة وهولها. والأمة: الجماعة العظيمة من الناس التي قد جمعها معنى أو وصف شامل لها. وقال مجاهد: الأمة: الواحد من الناس، وهذا قلق في اللغة، وإن قيل في إبراهيم عليه السلام أمة، وقالها النبي عليه السلام في قس بن ساعدة فذلك تجوز على جهة التشريف والتشبيه. و: جاثِيَةً معناه على الركب، قاله مجاهد والضحاك، وهي هيئة المذنب الخائف المعظم، وفي الحديث: «فجثا عمر على ركبتيه» . وقال سلمان: في القيامة ساعة قدر عشر سنين يخر الجميع فيها جثاة على الركب.

وقرأ جمهور الناس: «كل أمة» بالرفع على الابتداء. وقرأ يعقوب الحضرمي: «كلّ أمة تدعى» بالنصب على البدل من «كل» الأولى، إذ في «كل» الثانية إيضاح موجب الجثو. وقرأ الأعمش: «وترى كل أمة جاثية تدعى» بإسقاط كُلَّ أُمَّةٍ الثاني.

واختلف المتأولون في قوله: إِلى كِتابِهَا فقالت فرقة: أراد إِلى كِتابِهَا المنزل عليها فتحاكم إليه هل وافقته أو خالفته. وقالت فرقة: أراد إِلى كِتابِهَا الذي كتبته الحفظة على كل واحد من الأمة، فباجتماع ذلك قيل له كِتابِهَا، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره: يقال لهم اليوم تجزون.

وقوله تعالى: هذا كِتابُنا يحتمل أن تكون الإشارة إلى الكتب المنزلة أو إلى اللوح المحفوظ، قال مجاهد ومقاتل: يشهد بما سبق فيه من سعادة أو شقاء، أو تكون الكتب الحفظة وقال ابن قتيبة: هي إلى القرآن.

واختلف الناس في قوله تعالى: نَسْتَنْسِخُ فقالت فرقة معناه: نكتب وحقيقة النسخ وإن كانت أن تنقل خط من أصل ينظر فيه، فإن أعمال العباد هي في هذا التأويل كالأصل، فالمعنى: إنا كنا نقيد كل ما عملتم. قال الحسن: هو كتب الحفظة على بني آدم. وروى ابن عباس وغيره حديثا أن الله تعالى يأمر بعرض أعمال العباد كل يوم خميس فينقل من الصحف التي رفع الحفظة كل ما هو معد أن يكون عليه ثواب أو عقاب ويلغى الباقي. قالت هذه الفرقة: فهذا هو النسخ من أصل. وقال ابن عباس أيضا: معنى الآية أن الله تعالى يجعل الحفظة تنسخ من اللوح المحفوظ كل ما يفعل العباد ثم يمسكونه عندهم، فتأتي أفعال العباد على نحو ذلك فتقيد أيضا، فذلك هو الاستنساخ.. وكان ابن عباس يقول: ألستم عربا؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل.

قوله عز وجل:

﴿ ٢٩