٨ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) قال ابن عباس: ق اسم من أسماء القرآن. وقال أيضا اسم من أسماء الله تعالى. وقال قتادة والشعبي: هو اسم السورة، وقال يزيد وعكرمة ومجاهد والضحاك: هم اسم الجبل المحيط بالدنيا، وهو فيما يزعمون من زمردة خضراء، منها خضرة السماء وخضرة البحر. والْمَجِيدِ الكريم في أوصافه الذي جمع كل معلوة. و: ق على هذه الأقوال: مقسم به وب الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وجواب القسم منتظر. واختلف الناس فيه، فقال ابن كيسان جوابه: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ [ق: ١٨] ، وقيل الجواب: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: ٣٧] وقال الزهراوي عن سعيد الأخفش الجواب: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وضعفه النحاس، وقال الكوفيون من النحاة الجواب: بَلْ عَجِبُوا، والمعنى: لقد عجبوا. قال منذر بن سعيد: إن جواب القسم في قوله: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: ٢٩] ، وفي هذه الأقوال تكلف وتحكم على اللسان. وقال الزجاج والمبرد والأخفش: الجواب مقدر تقديره: ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لتبعثن، وهذا قول حسن وأحسن منه: أن يكون الجواب الذي يقع عنه الإضراب ب بَلْ، كأنه قال. ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ما ردوا أمرك بحجة، أو ما كذبوك ببرهان، ونحو هذا مما لا بد لك من تقديره بعد الذي قدر الزجاج، لأنك إذا قلت الجواب: لتبعثن فلا بد بعد ذلك أن يقدر خبر عنه يقع الإضراب، وهذا الذي جعلناه جوابا وجاء المقدر أخصر. وقال جماعة من المفسرين في قوله: ق إنه حرف دال على الكلمة، على نحو قول الشاعر [الوليد بن المغيرة] : [الرجز] قلت لها قفي فقالت قاف واختلفوا بعد، فقال القرطبي: هو دال على أسماء الله تعالى هي: قادر، وقاهر، وقريب، وقاض، وقابض، وقيل المعنى: قضي الأمر من رسالتك ونحوه، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، فجواب القسم في الكلام الذي يدل عليه قاف. وقال قوم المعنى: قف عند أمرنا. وقيل المعنى: قهر هؤلاء الكفرة، وهذا أيضا وقع عليه القسم ويحتمل أن يكون المعنى: قيامهم من القبور حق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، فيكون أول السورة من المعنى الذي اطرد بعد، وعلى هذه الأقوال فثم كلام مضمر عنه وقع الإضراب، كأنه قال: ما كذبوك ببرهان، ونحو هذا مما يليق مظهرا. وقرأ جمهور من القراء ق بسكون الفاء. قال أبو حاتم: ولا يجوز غيرها إلا جواز سوء. قال القاضي أبو محمد: وهذه القراءة تحسن مع أن يكون ق حرفا دالا على كلمة. وقرأ الثقفي وعيسى: قاف بفتح الفاء، وهذه تحسن مع القول بأنها اسم للقرآن أو لله تعالى، وكذلك قرأ الحسن وابن أبي إسحاق بكسر الفاء، وهي التي في رتبة التي قبلها في أن الحركة للالتقاء وفي أنها اسم للقرآن. والْمَجِيدِ الكريم الأوصاف الكثير الخير. واختلف الناس في الضمير في: عَجِبُوا لمن هو فقال جمهور المتأولين: هو لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم لأن كل مفطور عجب من بعثة بشر رسول الله، لكن المؤمنون نظروا واهتدوا، والكافرون بقوا في عمايتهم وصموا وحاجوا بذلك العجب، ولذلك قال تعالى: فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ. وقال آخرون بل الضمير في عَجِبُوا للكافرين، وكرر الكلام تأكيدا ومبالغة. والإشارة بهذا يحتمل أن تكون إلى نفس مجيء البشر. ويحتمل أن تكون إلى القول الذي يتضمنه الإنذار، وهو الخبر بالبعث، ويؤيد هذا القول ما يأتي بعد. وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر «إذا» على الخبر دون استفهام، والعامل رَجْعٌ بَعِيدٌ، قال ابن جني ويحتمل أن يكون المعنى «أإذا متنا بعد رجعنا» ، فيدل: ذلك رَجْعٌ بَعِيدٌ على هذا الفعل الذي هو بعد ويحل محل الجواب لقولهم: «إذا» . والرجع: مصدر رجعته. وقوله بَعِيدٌ في الأوهام والفكر كونه فأخبر الله تعالى ردا على قولهم بأنه يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقى منه، وإن ذلك في الكتاب، وكذلك يعود في الحشر معلوما ذلك كله. و «الحفيظ» : الجامع الذي لم يفته شيء. وقال الرماني: حَفِيظٌ متبع أن يذهب ببلى ودروس، وروي في الخبر الثابت: أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب، وهو عظم كالخردلة، فمنه يركب ابن آدم، وحفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة، وهذا هو «الحق» . وذهب بعض الأصوليين إلى أن الأجساد المبعثرة المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه، وهذا عندي خلاف لظاهر كتاب الله ولو كانت غيرها فكيف كانت تشهد الأيدي والأرجل على الكفرة إلى غير ذلك مما يقتضي أن أجساد الدنيا هي التي تعود. وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور، المعنى: ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم. وقال السدي معنى قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ أي ما يحصل في بطنها من موتاهم، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد. وقال ابن عباس أيضا في ما حكى الثعلبي، معناه: قد علمنا ما تنقص أرض الإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد، وقيل قوله: بَلْ كَذَّبُوا مضمر، عنه وقع الإضراب تقديره: ما أجادوا النظر أو نحو هذا، والذي يقع عنه الإضراب ب بَلْ، الأغلب فيه أنه منفي تقضي بَلْ بفساده، وقد يكون أمرا موجبا تقضي بَلْ بترك القول فيه لا بفساده، وقرأ الجمهور: «لمّا» بفتح اللام وشد الميم. وقرأ الجحدري: «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم، قال أبو الفتح: هي كقولهم: أعطيته لما سأل، وكما في التاريخ: لخمس خلون، ونحو هذا، ومنه قوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها [الأعراف: ١٨٧] ومنه قول الشاعر: [الوافر] إذا هبت لقاربها الرياح و: «المريج» : معناه: المختلط، قاله ابن زيد، أي بعضهم يقول ساحر، وبعضهم كاهن، وبعضهم شاعر إلى غير ذلك من تخليطهم، وكذلك عادت فكرة كل واحد منهم مختلطة في نفسها، قال ابن عباس: المريج: المنكر. وقال مجاهد: الملتبس، والمريج المضطرب أيضا، وهو قريب من الأول، ومنه الحديث: مرجت عهود الناس ومنه مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان: ٥٣، الرحمن: ١٩] وقال الشاعر [أبو دؤاد] : مرج الدين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكتد ثم دل تعالى على العبرة بقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ الآية، وَزَيَّنَّاها معناه: بالنجوم. و «الفروج» الفطور والشقوق خلالها وأثناءها، قاله مجاهد وغيره، وحكى النقاش أن هذه الآية تعطي أن السماء مستديرة، وليس الأمر كما حكي، إذا تدبر اللفظ وما يقتضي. و «الرواسي» : الجبال. و «الزوج» : النوع. و «البهيج» قال ابن عباس وقتادة وابن زيد هو: الحسن المنظر، وقوله عز وجل: تَبْصِرَةً وَذِكْرى منصوب على المصدر بفعل مضمر. و: «المنيب» الراجع إلى الحق عن فكرة ونظر. قال قتادة: هو المقبل بقلبه إلى الله وخص هذه الصنيفة بالذكر تشريفا من حيث هي المنتفعة بالتبصرة والذكرى، وإلا فهذه المخلوقات هي تبصرة وذكرى لكل بشر. وقال بعض النحويين: تَبْصِرَةً وَذِكْرى مفعولان من أجله، وهذا يحتمل والأول أرجح. قوله عز وجل: |
﴿ ٨ ﴾