١٨أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) قوله تعالى: أَفَتُمارُونَهُ خطاب لقريش، وهو من الصراء والمعنى أتجادلونه في شيء رآه وأبصره، وهذه قراءة الجمهور وأهل المدينة، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وحمزة والكسائي: «أفتمرونه» بفتح التاء دون ألف بعد الميم، والمعنى: أفتجدونه؟ وذلك أن قريشا لما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره في الإسراء مستقصى، كذبوا واستخفوا حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر عيرهم وغير ذلك مما هو في حديث الإسراء مستقصى، ورواها سعيد عن النخعي: «أفتمرونه» بضم التاء، قال أبو حاتم: وذلك غلط من سعيد. وقوله: يَرى مستقبلا والرؤية قد مضت عبارة تعم جميع ما مضى وتشير إلى ما يمكن أن يقع بعد، وفي هذا نظر. واختلف الناس في الضمير في قوله: وَلَقَدْ رَآهُ حسبما قدمناه، فقال ابن عباس وكعب الأحبار: هو عائد على الله، وقال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع: هو عائد على جبريل. و: نَزْلَةً معناه: مرة، ونصبه على المصدر في موضع الحال. و: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى هي شجرة نبق، قال كعب: هي في السماء السابعة، وروى ذلك مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مسعود: في السماء السادسة. وقيل لها: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى لأنها إليها ينتهي علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها صعدا إلا الله تعالى. وقيل سميت بذلك لأنها إليها ينتهي من مات على سنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو محمد: هم المؤمنون حقا من كل جيل. وقيل سميت بذلك، لأن ما نزل من أمر الله فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة العلو، وما صعد من الأرض فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة السفل. وروي عن النبي عليه السلام أن الأمة من الأمم تستظل بظل الفنن منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفعت لي سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة» . وقوله تعالى: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى قال الجمهور: أراد أن يعظم مكان السدرة ويشرفه بأن جَنَّةُ الْمَأْوى عندها. قال الحسن: وهي الجنة التي وعد بها العالم المؤمن. وقال قتادة وابن عباس بخلاف هي جنة يأوي إليها أرواح الشهداء والمؤمنين، وليست بالجنة التي وعد بها المؤمنون جنة النعيم، وهذا يحتاج إلى سند وما أراه يصح عن ابن عباس. وقرأ علي بن أبي طالب وابن الزبير بخلاف، وأنس بن مالك بخلاف، وأبو الدرداء وزر بن حبيش وقتادة ومحمد بن كعب: «جنه المأوى» بالهاء في جنة، وهو ضمير محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: ستره وضمه إيواء الله تعالى وجميل صنعه به، يقال: جنه وأجنه، وردت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا: أجن الله من قرأها. والجمهور قرأ: «جنة» كالآية الأخرى: فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا [السجدة: ١٩] وحكى الثعلبي أن معنى «جنه المأوى» : ضمه المبيت والليل. وقوله: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى التعامل في: إِذْ، رَآهُ. المعنى: رآه في هذه الحال. وما يَغْشى معناه من قدرة الله، وأنواع الصفات التي يخترعها لها، وذلك منهم على جهة التفخيم والتعظيم، وقال مجاهد تبدل أغصانها درا وياقوتا ونحوه. وقال ابن مسعود ومسروق ومجاهد: ذلك جراد من ذهب كان يغشاها. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتها ثم حال دونها فراش الذهب» . وقال الربيع وأبو هريرة: كان تغشاها الملائكة كما تغشى الطير الشجر، وقيل غير هذا مما هو تكلف في الآية، لأن الله تعالى أبهم ذلك وهم يريدون شرحه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟» وقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ قال ابن عباس معناه: ما جال هكذا ولا هكذا. وقوله: وَما طَغى معناه: ولا تجاوز المرئي، بل وقع عليه وقوعا صحيحا، وهذا تحقيق للأمر ونفي لوجود الريب عنه. وقوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال جماعة من أهل التأويل معناه: رأى الكبرى من آيات ربه، والمعنى مِنْ آياتِ رَبِّهِ التي يمكن أن يراها البشر، ف الْكُبْرى على هذا مفعول ب رَأى. وقال آخرون المعنى: لَقَدْ رَأى بعضا مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، ف الْكُبْرى على هذا وصف للآيات، والجمع مما لا يعقل في المؤنث يوصف أبدا على حد وصف الواحدة. وقال ابن عباس وابن مسعود: رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الأفق. وقال ابن زيد: رأى جبريل في صورته التي هو بها في السماوات. قوله عز وجل: |
﴿ ١٨ ﴾