١٤إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) هذه كلها أوصاف يوم القيامة، و «تكوير الشمس» : هو أن تدار ويذهب بها إلى حيث شاء الله كما يدار كور العمامة، وعبر المفسرون عن ذلك بعبارات، فمنهم من قال: ذهب نورها قاله قتادة، ومنهم من قال: رمي بها، قاله الربيع بن خيثم وغير ذلك مما هو أشياء توابع لتكويرها، و «انكدار النجوم» : هو انقضاضها وهبوطها من مواضعها، ومنه قول الراجز [العجاج] : [الرجز] أبصر خربان فلاة فانكدر ... تقضّي البازي إذا البازي كسر وقال ابن عباس: انْكَدَرَتْ: تغيرت، من قولهم: ماء كدر، أي متغير اللون، وتسيير الجبال هو قبل نسفها، وإنما ذلك في صدر هول القيامة، و: الْعِشارُ جمع عشراء وهي الناقة التي قد مر لحملها عشرة أشهر، وهي أنفس ما عند العرب وتهممهم بها عظيم للرغبة في نسلها، فإنها تعطل عند أشد الأهوال، وقرأ مضر عن اليزيدي: «عطلت» بتخفيف الطاء، و «حشر الوحوش» : جمعها، واختلف الناس في هذا الجمع ما هو؟ فقال ابن عباس: حُشِرَتْ بالموت لا تبعث في القيامة ولا يحضر في القيامة غير الثقلين، وقال قتادة وجماعة: حُشِرَتْ للجمع يوم القيامة، ويقتص للجماء من القرناء فجعلوا ألفاظ هذا الحديث حقيقة لا مجازا مثالا في العدل. وقال أبيّ بن كعب: حُشِرَتْ في الدنيا في أول هول يوم القيامة فإنها تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تأنيسا بهم، وقرأ الحسن: «حشرت» بشد الشين على المبالغة، و «تسجير البحار» ، قال قتادة والضحاك معناه: فرغت من مائها وذهب حيث شاء الله وقال الحسن: يبست، وقال الربيع بن خيثم معناه: ملئت، وفاضت وفجرت من أعاليها، وقال أبي بن كعب وابن عباس وسفيان ووهب وابن زيد: معناه: أضرمت نارا كما يسجر التنور، وقال ابن عباس: جهنم في البحر الأخضر، ويحتمل أن يكون المعنى ملكت، وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض بسبب الهول فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب، وقيل: هذه مجاز في جهنم، تسجر يوم القيامة وقد تقدم نظير هذه الأقوال منصوصة لأهل العلم في تفسير قوله تعالى: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور: ٦] . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سجرت» بتخفيف الجيم، وقرأ الباقون: بشدها، وهي مترجحة بكون البحار جميعا كما قال كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء: ١٣] ، وكما قال: صُحُفاً مُنَشَّرَةً [المدثر: ٥٢] ، ومثله قَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج: ٤٥] وبُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: ٧٨] ، لأنها جماعة، وذهب قوم من الملحدين إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند موته، والشمس نفسه والنجوم عيناه وحواسه، والعشار ساقاه، وهذا قول سوء وخيم غث ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب الله تعالى، و «تزويج النفوس» : هو تنويعها، لأن الأزواج هي الأنواع والمعنى: جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن وكل شكل مع شكله، رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله عمر بن الخطاب وابن عباس، وقال: هذا نظير قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً [الواقعة: ٧] وفي الآية على هذا حض على خليل الخبر، فقد قال عليه السلام: «المرء مع من أحب» ، وقال: «فلينظر أحدكم من يخالل» ، وقال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٦٧] ، وقال مقاتل بن سليمان: زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور وغيرهن. وقال عكرمة والضحاك والشعبي: زوجت الأرواح الأجساد، وقرأ عاصم: «زوجت» غير مدغم، والْمَوْؤُدَةُ: اسم معناه المثقل عليها، ومنه: وَلا يَؤُدُهُ [البقرة: ٢٥٥] ومنه اتأد، أي توقد، وأثقل وعرف هذا الاسم في البنات اللواتي كان قوم من العرب يدفنونهن أحياء يحفر الرجل شبه البر أو القبر ثم يسوق ابنته فيلقيها فيها، وإذا كانت صغيرة جدا خدّ لها في الأرض ودفنها، وبعضهم: كان يفعل ذلك خشية الإملاق وعدم المال، وبعضهم: غيرة وكراهية للبنات وجهالة. وقرأ الجمهور: «الموءودة» بالهمز من وأد في حرف ابن مسعود: «وإذا الماودة» ، وقرأ البزي: «الموودة» بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة، وقرأ الأعمش: «المودة» بسكون الواو على وزن: الفعلة، وقرأ بعض السلف: «المودّة» بفتح الواو والدال المشددة، جعل البنت مودة، وقرأ جمهور الناس: «سئلت» ، وهذا على جهة التوبيخ للعرب الفاعلين ذلك، لأنها تسأل ليصير الأمر إلى سؤال الفاعل، ويحتمل أن تكون مسؤولة عنها مطلوبا الجواب منهم. كما قال تعالى: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا [الإسراء: ٣٤] ، وكما يسأل التراث والحقوق. وقرأ ابن عباس وأبيّ بن كعب وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد وجماعة كثيرة منهم ابن مسعود والربيع بن خيثم: «سألت» ، ثم اختلف هؤلاء فقرأ أكثرهم: «قتلت» بفتح التاء وسكون اللام، وقرأ أبو جعفر: «قتّلت» بشد التاء على المبالغة، وقرأ ابن عباس وجابر وأبو الضحى ومجاهد: «قتلت» بسكون اللام وضم التاء، وقرأ الأعرج والحسن: «سيلت» بكسر السين وفتح اللام دون همز، واستدل ابن عباس بهذه الآية في أن أولاد المشركين في الجنة لأن الله تعالى قد انتصر لهم من ظلمهم، و «الصحف المنشورة» : قيل هي صحف الأعمال تنشر ليقرأ كل امرئ كتابه، وقيل هي الصحف التي تتطاير بالأيمان، والشمائل بالجزاء، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر وشيبة والأعرج والحسن وأبو رجاء وقتادة: «نشرت» بتخفيف الشين المكسورة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: «نشّرت» بشد الشين على المبالغة، و «الكشط» : التقشير، وذلك كما يكشط جلد الشاة حين تسلخ، و «كشط السماء» : هو طيها كطي السجل، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «قشطت» بالقاف وهما بمعنى واحد، وسُعِّرَتْ معناه: أضرمت نارها، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: «سعرت» بشد العين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: بتخفيفها وهي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال قتادة: سعرها غضب الله تعالى وذنوب بني آدم وأُزْلِفَتْ الجنة معناه: قربت ليدخلها المؤمنون، وقرأ عمر بن الخطاب وجماعة من المفسرين إلى هذين، انتهى الحديث وذلك أن الغرض المقصود بقوله وَإِذَا وَإِذَا في جميع ما ذكر إما تم بقوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ، أي ما أحضرت من شر فدخلت به جهنم أو من خير فدخلت به الجنة، ونَفْسٌ هنا اسم جنس، أي عملت النفوس ووقع الإفراد لتنبيه الذهن على حقارة المرء الواحد وقلة دفاعه عن نفسه. قوله عز وجل:  | 
	
﴿ ١٤ ﴾