٤٠

وسئل عن قوله : { وَإِيَّايَ فارهبون } [ ٤٠ ] ما هذه الرهبة التي أمرهم بها؟ فقال : أراد موضع نور النفس من بصر القلب والمعرفة من كلية القلب ، لأن المكابدة والمجاهدة في الإيمان ، فإذا سكن القلب من التقوى إلى الغير انكشف نور اليقين ، ووصل العبد ساكناً بالإيمان للّه توحيداً على تمكين . أعني سكون قلبه إلى مولاه ، فصار نور اليقين يكشف عن علم اليقين ، وهو الوصول إلى اللّه تعالى ، فلا ذلك اليقين بنور اليقين إلى عين اليقين ولا مخلوق ، لأنه نور من نور ذات الحق ، لا بمعنى الحلول ، ولا بمعنى الجمع ، ولا بمعنى الاتصال ، ولكن معنى اتصال العبد بمولاه من موضع توحيده وطاعته باللّه ورسوله ، فعلى قدر قوته من البصر باللّه يدرك التقوى للّه والرهبة إياه . وأصل التقوى : مباينة النفس ، فيباينها في ذلك ، ولا يساكنها شيئاً من ملاذ هواها ، ولا ما تدعوه إليه من حظوظها التي لم تتعذر فيها . اعلم أن الناس يتفاضلون في القيامة على قدر نور يقينهم ، فمن كان أوزن يقيناً كان أثقل ميزاناً ، وكان من دونه في ميزانه . قيل : بِمَ تعرف صحة يقين العبد؟ قال : بقوة ثقته باللّه تعالى ، وحسن ظنه به ، فالثقة باللّه مشاهدة باليقين ، وعين اليقين وكليته وكماله ونهايته الوصول إلى اللّه عزَّ وجلَّ .

﴿ ٤٠