١٤٢ قوله : { إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ ١٤٢ ] أي يسرع لهم الجزاء على إظهار الإيمان وإضمار الكفر بترك العصمة والتوفيق ، وتمديد الأموال والبنين ، والإطراق على عاجل الدنيا ، وخاتمتهم النار ، فهذا هو المراد من قوله : { يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ ١٤٢ ] . قال سهل في قوله تعالى : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } [ الصافات : ١٢ ] أراد به سرعة مجازاتهم على الإقامة والنفي ، فسمى قوله باسم فعلهم . وقد أخبر عنهم بالعجب في مواضع ، قال في قوله في قل أوحي : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } [ الجن : ١ ] وفي ق : { بَلْ عجبوا } [ ق : ٢ ] وفي ص : { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : ٥ ] وقد ذكر في الصافات : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } [ الصافات : ١٢ ] أي رأيت جزاءهم عظيماً ، فسمى تعظيم الثواب عجباً ، لأن المتعجب إنما يتعجب من أمر بلغ نهايته ، فهذا هو المراد من قوله : { بَلْ عَجِبْتَ } [ الصافات : ١٢ ] . وقد حكي أن شقيقاً قرأ على شريح : ( بَلْ عَجِبْتُ ) فقال له شريح : ( بَلْ عَجِبْتَ ) إن اللّه لا يعجب من شيء ، إنما يعجب مَنْ لا يعلم . قال شقيق : فأخبرت به إبراهيم فقال : إن شريحاً يعجبه علمه ، وإن ابن مسعود أعلم منه ، وكان يقرأ : ( بَلْ عَجِبْتُ ) بالضم . { وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُوا كسالى } [ ١٤٢ ] فهذه من علامات المنافقين ، حيث خانوا في هذه الأمانة التي تحمّلوها في الظاهر ، واعلم أن للّه تعالى أمانة في سمعك وبصرك ولسانك وفرجك ، وظاهرك وباطنك ، عرضها عليك ، فإن لم تحفظها خنت اللّه ، و { اللّه لاَ يُحِبُّ الخائنين } [ الأنفال : ٥٨ ] . وقد حكي عن أبي حبان أنه قال : ارتحلت إلى مكة وجئت سعيد بن جبير فقلت له : جئتك من خراسان في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام : ( علامة المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ) ولا أرى أنها في نفسي ، فتبسم سعيد وقال : وقع في سري ما وقع في سرك ، فأتيت علي بن أبي طالب وعبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما وقت القيلولة ، فوجدتهما عند البيت ، فسألتهما عن تأويل هذا الحديث فتبسما ، وقالا : لقد أشكل علينا ما أشكل عليك ، فذهبنا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقت القيلولة ، فأذن لنا فذكرنا له صلى اللّه عليه وسلم هذا ، فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال : ( ألستما على شهادة أن لا إله إلا ا للّه؟ قلنا : بلى . فقال : هل رجعتما عن ذلك؟ فقلنا : لا . قال : لقد قلتما وصدقتما . ثم قال : ألستما على ما قررتكما عليه من الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث؟ قلنا : نعم ، كأنها رأي العين . فقال صلى اللّه عليه وسلم : هذا من الإنجاز . ثم قال صلى اللّه عليه وسلم : ألستما تصليان وتسجدان في الصلاة في الخلوة؟ فقلنا : نعم . فقال : هي الأمانة لا خيانة فيها ) . وقال سهل : إن اليقين أوتاد قلوب العارفين وأرواح المشتاقين ، كما أن جبال الدنيا مع جبل ق أوتاد الأرضين قوام للعالمين ، ثم زاد قوة قلبك حيث قال تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللّه } [ الحشر : ٢١ ] وقد أنزلته على قلوبهم حفظاً وعليكم أمراً ، فلم يؤمر حمله فيكم لحفظي إياكم ولطفي ونظري إليكم . ثم قال : انتهت عقول المؤمنين سائرة إلى العرش فسلمت وحفت بظرائف حكمه وفنون بره ، وسارت عقول المنافقين ، فلما بلغت رامت الغيوب ، فردت منكسة ، قال اللّه تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ اللّه فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } [ النساء : ٨٨ و١٤٣ ] . |
﴿ ١٤٢ ﴾