سورة الاعراف١ قوله عزَّ وجلَّ : { المص } [ ١ ] يعني أنا اللّه أقضي بين الخلق بالحق ، ومن هذه الحروف اسم اللّه تعالى وهو الصمد . ١٦ قوله تعالى : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم } [ ١٦ ] أي شرائع الإسلام بعد أن بينها اللّه تعالى لهم بقوله : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } [ السجدة : ٢٦ ] أي : أوَلم نبين لهم طريق الخير وهو الأمر وطريق الشر وهو النهي ، فمالوا إلى حظ نفوسهم كما { قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } [ يس : ١٩ ] . ٢٠ قوله : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان } [ ٢٠ ] قال : الوسوسة ذكر الطبع ، ثم النفس ، ثم الهم والتدبير ، ووسواس العدو على ثلاث مقامات : فالأول يدعوه ويوسوس له ، والثاني يأمن إذا علم أنه يقبل ، والثالث ليس له إلاَّ الانتظار والطمع ، وهو للصديقين . ٢٩ قوله تعالى : { وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } [ ٢٩ ] فقال : اطلبوا من السر بالنية الإخلاص فإن الرياء لا يعرفه إلاَّ المخلصون ، واطلبوا من العلانية الفعل بالاقتداء ، فإن من لم يكن اقتداؤه في جميع أموره بالنبي صلى اللّه عليه وسلم فهو ضال ، وغير هذين مغاليط . ٣١ قوله تعالى : { وكُلُوا واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين } [ ٣١ ] قال : الأكل على خمسة : الضرورة والقوام والقوت والمعلوم والفقد ، والسادس لا خير فيه وهو التخليط ، فإن اللّه تعالى خلق الدنيا فجعل العلم والحكمة في الجوع ، وجعل الجهل والمعصية في الشبع ، فإذا جعتم فاطلبوا الشبع ممن ابتلاكم بالجوع ، وإذا شبعتم فاطلبوا الجوع ممن ابتلاكم بالشبع ، وإلا تماديتم وطغيتم ، ثم قرأ : { إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى } [ العلق : ٦-٧ ] وقال : إن الجوع سر من أسرار اللّه تعالى في الأرض لا يودعه عند من يذيعه . ٣٣ وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ ٣٣ ] قال : يعني الحسد بقلبه والفعل بجوارحه ، ولو أن يترك التدبير فيهما كان من أوتاد الأرض ، ولكن العبد بين حالين ، إما أن يدبر بقلبه ما لا يعنيه ، أو يعمل بجوارحه ما لا يعنيه ، ليس ينجو من أحدهما إلاَّ بعصمة اللّه تعالى ، فعيش القلوب اليقين وظلمتها التدبير . قال : وكنا مع سهل عند غروب الشمس فقال لأحمد بن سالم : اترك الحيل حتى نصلي العشاء بمكة . وقوله تعالى : { وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ ٣٣ ] قال : من تكلم عن اللّه من غير إذن ، وعلى سبيل الحرمة وحفظ الأدب ، فقد هتك الستر ، وقد منع اللّه تعالى أن يقول عليه أحد ما لم يعلم . ٤٣ وقوله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ ٤٣ ] قال : هو الأهواء والبدع . ٤٦ وقوله تعالى : { وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ } [ ٤٦ ] قال : أصحاب الأعراف هم أهل المعرفة . ٤٨ قال اللّه تعالى : { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } [ ٤٨ ] إقامتهم لشرفهم في الدارين وأهلهما ، يعرفهم الملكان كما أشرفهم على أسرار العباد في الدنيا وأحوالهم . ٥٦ وقوله تعالى : { وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } [ ٥٦ ] قال : أن لا تفسدوا الطاعة بالمعصية ، وذلك أن من كان مقيماً على المعصية على أدنى منهيّ فجميع حسناته ممزوجة بتلك المعصية ، ولا تخلص له حسناته البتة وهو مقيم على سيئة واحدة حتى يتوب وينخلع عن ذلك المنهي ، ويصفيها عن كدورات المعاصي في السر والعلانية . ٦٨ وقوله تعالى : { وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } [ ٦٨ ] ومن لم ينصح اللّه في نفسه ولم ينصحه في خلقه هلك ، ونصيحة الخلق أشد من النفس ، وأدنى نصيحة النفس الشكر ، وهو أن لايعصى اللّه تعالى بنعمه . وسمعته مرة أخرى يقول : النصيحة أن لا تدخل في شيء لا تملك صلاحه . ٨٥ وقوله تعالى : { وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } [ ٨٥ ] قال : أن لا تفسدوا الطاعة بالمعصية ، وذلك أن من كان مقيماً على المعصية على أدنى منهيّ فجميع حسناته ممزوجة بتلك المعصية ، ولا تخلص له حسناته البتة وهو مقيم على سيئة واحدة حتى يتوب وينخلع عن ذلك المنهي ، ويصفيها عن كدورات المعاصي في السر والعلانية . ٩٤ وقوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأسآء والضرآء } [ ٩٤ ] قال : يعني فقد قلوبهم بالجهل عن العلم والشدة في دنياهم حتى اشتغلوا بها عن آخرتهم . ٩٥ { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة حتى عَفَوا } [ ٩٥ ] أي كثروا ليس هو العفو بعينه . ٩٩ وقوله تعالى : { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللّه } [ ٩٩ ] قال : المكر المضاف إلى تدبيره في سابق علمه من قدرته فلا ينبغي لأحد أن يأمن مكره ، لأن أمن المكر لا يدفع القدر ، ولا يخرج أحداً عن قدرة اللّه تعالى ، ولا يخلو أحد من خوف وإن بلغ كل خوف ، وإذا عرف منزلته عند اللّه تعالى ازداد علمه وتكاملت رغبته ، فأما من لم يعرف منزلته فذلك عار عليه . قال عمر بن واصل : فقلت له : كيف يزداد مع علمه منزلة؟ فقال : هما رجلان ، فرجل ازداد وطلب الزيادة وحرص لذلك ، ورجل أضعف منه ، كان ذلك منه شكراً لئلا يسلب ما أعطاه . ١٢٨ وقوله تعالى : { قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا باللّه واصبروا } [ ١٢٨ ] قال : أمرهم أن يستعينوا باللّه على أمر اللّه ، فيقهروا ما فيها ويستولوا عليها وعلى مخالفتها ، وأن يصبروا على ذلك تأدباً . ١٤٦ قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } [ ١٤٦ ] قال : هو أن يحرمهم فهم القرآن ، والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام . وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( من أعطي فهم القرآن فقد أعطي الخير الكثير ، ومن فاته فهم القرآن فقد فاته علم عظيم ) وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( من تعظيم اللّه إكرام ذي الشيبة في الإسلام ، وإكرام الإمام العادل ، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ) . قوله : { وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [ ١٤٦ ] قال : ردهم إلى سابق علمه فيهم أنهم سيفعلون ذلك لخذلانه إياهم بما دلتهم عليه أنفسهم الطبيعية من الحركة في النهي ، والسكون في الأمر ، وادعاء الحول والقوة على ما جبلت عليه أنفسهم ، والاغترار به . ١٤٨ قوله تعالى : { واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } [ ١٤٨ ] قال : عجل كل إنسان ما أقبل عليه ، فأعرض به عن اللّه من أهل وولد ، ولا يتخلص من ذلك إلاَّ بعد إفناء جميع حظوظه من أسبابه ، كما لم يتخلص عبدة العجل من عبادته إلاَّ بعد قتل النفوس . ١٤٩ قوله تعالى : { وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ } [ ١٤٩ ] قال : يعني ندموا ، يقال : سُقِطَ الرجل في يديه إذا ندم على أمر . ١٥٦ قوله تعالى : { إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ } [ ١٥٦ ] أي تبنا إليك . ١٦٣ قوله تعالى : { إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت } [ ١٦٣ ] قال : يعدون في اتباع الهوى في السبت . ١٦٩ قوله تعالى : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } [ ١٦٩ ] أي تركوا العمل به . ١٧١ وقوله : { وَإِذ نَتَقْنَا الجبل } [ ١٧١ ] قال : يعني فتقنا وقد زعزعنا . كما قال العجاج : [ من الرجز ] قد ربَّبوا أحلامَنا الجلائلا ... وفتقوا أحلامنا الأثاقلا ١٧٢ وقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ } [ ١٧٢ ] قال : إن اللّه تعالى أخذ الأنبياء من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام ، ثم أخذ من ظهر كل نبي ذريته كهيئة الذر ، لهم عقول ، فأخذ من الأنبياء ميثاقهم ، كما قال : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : ٧ ] وكان الميثاق عليهم أن يبلغوا عن اللّه تعالى أمره ونهيه ، ثم دعاهم جميعاً إلى الإقرار بربوبيته لقوله تعالى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ ١٧٢ ] وأظهر قدرته حتى { قَالُوا بلى } [ ١٧٢ ] ، فجمع اللّه مراده من خلقه ، وما هم عليه من الابتداء والانتهاء في قولهم : ( بلى ) ، إذ هو على جهة الابتلاء ، وقد قال اللّه تعالى : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء لِيَبْلُوَكُمْ } [ هود : ٧ ] وأشهد الأنبياء عليهم حجة كما قال : { وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ } [ ١٧٢ ] ثم أعادهم في صلب آدم عليه السلام ، ثم بعث الأنبياء ليذكرهم عهده وميثاقه ، وكان في علمه يوم أقروا بما أقروا به من يكذب به ومن يصدق به ، فلا تقوم الساعة حتى تخرج كل نسمة قد أخذ الميثاق عليها ، ثم تقوم الساعة . فقيل : ما علامة السعادة والشقاوة؟ قال : إن من علامات الشقاوة إنكار القدرة ، وإن من علامة السعادة أن تكون واسع القلب بالإيمان ، وأن ترزق الغنى في القلب والعصمة في الطاعة والتوفيق في الزهد ، ومن ألهم الأدب فيما بينه وبين اللّه تعالى طهر قلبه ويرزق السعادة ، وليس شيء أضيق من حفظ الأدب . فقيل له ما الأدب؟ قال : اجعلوا طعامكم الشعير ، وحلواكم التمر ، وإدامكم الملح ، ودسمكم اللَبن ، ولباسكم الصوف ، وبيوتكم المساجد ، وضياءكم الشمس ، وسراجكم القمر ، وطيبكم الماء ، وبهاكم النظافة ، وزينتكم الحذر ، وعملكم الارتضاء ، أو قال : الرضا ، وزادكم التقوى ، وأكلكم بالليل ، ونومكم بالنهار ، وكلامكم الذكر ، وصمتكم وهمتكم التفكر ، ونظركم العبرة ، وملجأكم وناصركم مولاكم ، واصبروا عليه إلى الممات . وقال : ثلاث من علامات الشقاوة : أن تفوته الجماعة وهو بقرب من المسجد ، وأن تفوته الجماعة وهو في المدينة ، وأن يفوته الحج وهو بمكة . قال سهل : والذرية ثلاث : أول وثاني وثالث : فالأول : محمد صلى اللّه عليه وسلم ، لأن اللّه تعالى لما أراد أن يخلق محمداً صلى اللّه عليه وسلم أظهر من نوره نوراً ، فلما بلغ حجاب العظمة سجد للّه سجدة ، فخلق سبحانه من سجدته عموداً عظيماً كالزجاج من النور ، أي باطنه وظاهره فيه عين محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فوقف بين يدي رب العالمين بالخدمة ألف ألف عام بطبائع الإيمان ، وهو معاينة الإيمان ومكاشفة اليقين ومشاهدة الرب ، فأكرمه اللّه تعالى بالمشاهدة قبل بدء الخلق بألف ألف عام . وما من أحد في الدنيا إلاَّ غلبه إبليس لعنه اللّه فأسره ، إلاَّ الأنبياء صلوات اللّه عليهم ، والصديقون الذين شاهدت قلوبهم إيمانهم في مقاماتهم ، وعرفوا اطلاع اللّه عليهم في جميع أحوالهم ، فعلى قدر مشاهدتهم يعرفون الابتلاء ، وعلى قدر معرفتهم الابتلاء يطلبون العصمة ، وعلى قدر فقرهم وفاقتهم إليه يعرفون الضر والنفع ، ويزدادون علماً وفهماً ونظراً . ثم قال : ما حمل اللّه على أحد من الأنبياء ما حمل على نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم من الخدمة ، وما من مقام خدمة خدم اللّه تعالى بها من ولد آدم عليه السلام إلى أن بعث نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم ، إلاَّ وقد خدم اللّه بها نبينا صلى اللّه عليه وسلم . وقد سئل عن معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( إني لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني ) فقال : ما كان معه طعام ولا شراب ، ولكنه كان يذكر خصوصيته عند اللّه تعالى ، فيكون كمن أكل الطعام وشرب الشراب ، ولو كان معه شراب أو طعام لآثر أهله وأهل الصفة على نفسه . الثاني : آدم صلوات اللّه عليه ، خلقه من نور ، قال عليه السلام : ( وخلق محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، يعني جسده ، من طين آدم عليه السلام ) . والثالث : ذرية آدم . وإن اللّه عزَّ وجلَّ خلق المريدين من نور آدم ، وخلق المرادين من نور محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فالعامة من الخلق يعيشون في رحمة أهل القرب ، وأهل القرب يعيشون في رحمة المقرب ، { يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } [ الحديد : ١٢ ] . ١٧٦ وقوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } [ ١٧٦ ] يعني بلعام بن باعوراء ، { ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ } [ ١٧٦ ] وأعرض لمتابعة هواه ، وأن اللّه تعالى قسم الأعضاء في الهوى لكل عضو حظاً منه ، فإذا مال عضو من أعضائه إلى الهوى يرجع ضره إلى القلب . واعلموا أن للنفس سراً ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلاَّ على فرعون { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : ٢٤ ] . فقال : كيف نسلم من الهوى؟ فقال : من ألزم نفسه الأدب سلم منه ، فإنه من قهر نفسه بالأدب عبد اللّه عزَّ وجلَّ بالإخلاص . قال : وللنفس سبع حجب سماوية ، وسبع حجب أرضية ، فكلما يدفن العبد نفسه أرضاً سما قلبه سماء ، فإذا دفن النفس تحت الثرى وصل القلب إلى العرش . وقد حكي عن كهمس أنه كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة ، وكان يسلم بين كل ركعتين ، ثم يقول لنفسه : قومي يا مأوى كل شر ما رضيت عنك . ١٨٠ قوله تعالى : { وَللّه الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا } [ ١٨٠ ] قال : إن وراء الأسامي والصفات صفات لا تخرقها الأفهام ، لأن الحق نار يتضرم لا سبيل إليه ، ولا بد من الاقتحام فيه . وقوله : { وَذَرُوا الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ } [ ١٨٠ ] يعني يجورون في أسمائه يكذبون . ١٨٢ وقوله : { والذين كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ ١٨٢ ] قال : يعني نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها ، فإذا سكنوا وحجبوا عن المنعم أخذوا . ١٨٥ وقوله : { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض } [ ١٨٥ ] قال : ذكر اللّه تعالى قدرته في خلقه ووصف حاجتهم إليه ، وما خلق من شيء سمعوه ولم يروه ، فاغتروا به ، ولو شاهدوا ذلك بقلوبهم لآمنوا بالغيب ، فأداهم الإيمان إلى مشاهدة الغيب الذي غاب عنهم ، وورثوا درجات الأبرار فصاروا أعلاماً للّهدى . ١٨٧ وقوله : { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [ ١٨٧ ] يعني لا يجلي نفس الطبع من الهوى إلى طاعته ، إلاَّ هو . هذا باطن الآية . قوله : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } [ ١٨٧ ] أي عالم بوقتها . ١٨٨ قوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ اللّه } [ ١٨٨ ] فكيف ينفع غيره من لم يملك نفعه ، وإنما ذلك إلى اللّه تعالى . ١٩٨ وقوله : { وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ ١٩٨ ] قال : هي القلوب التي لم يزينها اللّه بأنواره والقربة ، فهو أعمى عن درك الحقائق رؤية الأكابر . ١٩٩ قال تعالى : { خُذِ العفو } [ ١٩٩ ] أي الفضل في أموالهم التي هي وديعة اللّه عندهم ، لأن اللّه تعالى قد ابتاعها منهم ، فليس له نفس ولا مال . قيل له : فأين نفسه؟ قال : دخلت تحت مبايعة اللّه تعالى . قال : { إِنَّ اللّه اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة } [ التوبة : ١١١ ] ٢٠٥ وقوله : { واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } [ ٢٠٥ ] ما حقيقة الذكر؟ قال : تحقيق العلم بأن اللّه تعالى مشاهدك ، وتراه بقلبك قريباً منك ، وتستحي منه ثم تؤثره على نفسك في أحوالك كلها ، ثم قال : ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر . فقيل له ما معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( الدنيا ملعون ما فيها إلاَّ ذكر اللّه تعالى ) قوله : ( ذكر اللّه ) هاهنا الزهد عن الحرام ، وهو أن يستقبله حرام ، فيذكر اللّه تعالى ، ويعلم أنه مطلع عليه ، فيجتنب ذلك الحرام . وقوله : { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين } [ ٢٠٥ ] قال سهل : حقاً أقول لكم ولا باطل ، يقيناً ولا شك : ما من أحد ذهب منه نفس واحد في غير ذكر اللّه إلاَّ وهو غافل عن اللّه عزَّ وجلَّ . وقال : غفلة الخاص السكون إلى الشيء ، وغفلة العام الافتخار بالشيء ، يعني السكون ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم . |
﴿ ٠ ﴾