سورة الحجر٣ قوله تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ ٣ ] قال : إذا اجتمعت أربعة في عبد قيل له : إنك لن تنال شيئاً من هذا الأمر ، إذا أحب أن يأكل شيئاً طيباً ، ويلبس ثوباً ليناً ، وينفذ أمره ، ويكثر شيئه يقال : هيهات هذا الذي قطع الخلق عن اللّه تعالى . وقد حكي أن اللّه أوحى إلى داود عليه السلام : حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة . وقال سهل : الأمل أرض كل معصية ، والحرص بذر كل معصية ، والتسويف ماء كل معصية ، والقدرة أرض كل طاعة ، واليقين بذر كل طاعة ، والعمل ماء كل طاعة . قال : وكان سهل يقوى على الوجد سبعين يوماً لا يأكل فيها طعاماً ، وكان يأمر أصحابه أن يأكلوا اللحم في كل جمعة مرة ، كيلا يضعفوا عن العبادة ، وكان إذا أكل ضعف ، وإذا جاع قوي ، وكان يعرق في البرد الشديد في الشتاء وعليه قميص واحد ، وكان إذا سألوه عن شيء من العلم يقول : لا تسألوني فإنكم لا تنتفعون في هذا الوقت بكلامي . وفد عباس بن عصام يوماً وهو يقول : أنا منذ ثلاثين سنة أكلم اللّه ، والناس يتوهمون أني أكلمهم . ٤٠ قوله تعالى : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين } [ ٤٠ ] قال : الناس كلهم أموات إلا العلماء ، والعلماء كلهم نيام إلا العاملين ، والعاملون كلهم مغترون إلا المخلصين ، والمخلصون على خطر عظيم . ٧٢ قوله تعالى : { إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ ٧٢ ] أي في جهلهم وضلالتهم يعصون ، واعلم أن المعاصي كلها منسوبة إلى الجهل ، والجهل كله منسوب إلى السكر ، ويقال هو نفس المسكر . ٧٥ قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [ ٧٥ ] قال : يعني المتفرسين ، وقد روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه ثم قرأ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [ ٧٥ ] ) ، ومعناه المتفرسون في السرائر وهو كما قال عمر رضي اللّه عنه لسارية : ( الجبل الجبل ) . ٨٥ قوله : { فاصفح الصفح الجميل } [ ٨٥ ] قال : حكى محمد بن الحنفية عن علي رضي اللّه عنه في قوله تعالى : { فاصفح الصفح الجميل } [ ٨٥ ] قال : هو الرضا بلا عتاب . وقال سهل : بلا حقد ولا توبيخ بعد الصفح ، وهو الإعراض الجميل . ٩١ قوله تعالى : { الذين جَعَلُوا القرآن عِضِينَ } [ ٩١ ] قال : ظاهر الآية ما عليه أهل التفسير وباطنها ما أنزل اللّه تعالى من أحكامه في السمع والبصر والفؤاد وهو قوله تعالى : { إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : ٣٦ ] فأعرضوا عن العمل به ميلاً إلى دواعي نفس الطبع . ٩٢ قوله تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ٩٢ ] قال : هذه الآية فيها خصوص فإن من هذه الأمة من يحشر من القبر إلى الجنة لا يحضر الحساب ولا يشعر بالأهوال وهم الذين قال اللّه تعالى : { أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : ١٠١ ] وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( إن أولياء اللّه يخرجون من قبورهم إلى الجنة لا يقفون للحساب ولا يخافون طول ذلك اليوم ، أولئك هم السابقون إلى الجنة { رَّضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلك الفوز العظيم } [ المائدة : ١١٩ ] ) . ٩٤ قوله تعالى : { فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ } [ ٩٤ ] أي أظهر القرآن في الصلاة بما أوحينا إليك . قيل : ما الوحي؟ قال : المستور من القول ، قال اللّه تعالى : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ } [ الأنعام : ١١٢ ] أي يسر بعضهم إلى بعض وقد يكون بمعنى الإلهام كما قال تعالى : { وأوحى رَبُّكَ إلى النحل } [ النحل : ٦٨ ] يعني ألهم النحل . ٩٧ قوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [ ٩٧ ، ٩٨ ] أي صلِّ للّه تعالى واذكره ، فكأن اللّه تعالى قال له : إن ضاق صدرك بقرب الكفار بكذبهم ، بما وصفوا لك من الضد والندر والشريك بجهلهم وحسدهم ، فارجع إلى مشاهدتنا وقربنا بذكرنا ، فإن قربك فينا ، وسرورك بذكرنا ومشاهدتنا ، واصبر على ذلك ، فإن رضاي فيك . وقد حكي أن موسى عليه السلام قال : إلهي دلني على عمل إن أنا عملته نلت به رضاك . قال : فأوحى إليه : يا ابن عمران ، إن رضاي في كرهك ولن تطيق ذلك . قال : فخر موسى عليه السلام ساجداً باكياً ، وقال : إلهي خصصتني منك بالكلام ، فلم تكلم بشراً قبلي ، ولم تدلني على عمل أنال به رضاك . فأوحى اللّه تعالى إليه : إن رضاي بقضائي . |
﴿ ٠ ﴾