سورة المؤمنون

١

قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ ١ ، ٢ ] قيل : ما الخشوع؟ قال : الخشوع علانية ، وهو الوقوف بين يدي اللّه تعالى على الإقامة على شروط آداب الآمر ، وهو تخليص الحركات والسكون عما سواه ، وأصل ذلك الخشية في السر ، فإذا أعطي الخشية ظهر الخشوع على ظاهره ، وهي من شروط الإيمان .

وقد حكي عن الحسن بن علي رضي اللّه عنه أنه إذا فرغ من وضوئه تغير لونه ، فقيل له في ذلك ، فقال : يحق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه . ويروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لمعاذ : ( يا معاذ : إن المؤمن قد قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه ، وحال بينه وبين أن يهلك فيما هوي بإذن اللّه ، إن المؤمن لذي الحق أسير . يا معاذ : إن المؤمن يسعى في فكاك رقبته . يا معاذ : إن المؤمن لا تسكن روعته ، ولا يؤمن اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم . يا معاذ : إن المؤمن يعلم أن عليه رقباء على سمعه وبصره ولسانه ويده ورجليه وبطنه وفرجه ، حتى اللمحة ببصره ، وفتات الطينة بإصبعه ، وكحل عينه ، وجميع سعيه ، التقوى رفيقه ، والقرآن دليله ، والخوف محجته ، والشوق مطيته ، والوجل شعاره ، والصلاة كهفه ، والصيام جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق وزيره ، والحياء أميره ، وربه من وراء ذلك بالمرصاد . يا معاذ : إني أحب لك ما أحب لنفسي ، وأنهيت إليك ما أنهى إلي جبريل صلوات اللّه عليه ، فلا أعرفن أحداً يوافيني يوم القيامة أسعد بما آتاك اللّه تعالى منك ) .

١٧

قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ } [ ١٧ ] يعني الحجب السبعة التي تحجبه عن ربه عزَّ وجلَّ . فالحجاب الأول عقله ، والثاني علمه ، والثالث قلبه ، والرابع خشيته ، والخامس نفسه ، والسادس إرادته ، والسابع مشيئته .

فالعقل باشتغاله بتدبير الدنيا ، والعلم بمباهاته مع الأقران ، والقلب بالغفلة ، والخشية بإغفالها عن موارد الأمور عليها ، والنفس لأنها مأوى كل بلية ، والإرادة إرادة الدنيا والإعراض عن الآخرة ، والمشيئة بملازمة الذنوب .

٥١

قوله : { كُلُوا مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحاً } [ ٥١ ] يعني كلوا من الحلال قواماً مع حفظ الأدب . والقوام ما يمسك به النفس ، ويحفظ فيه القلب والأدب فيه شكر المنعم ، وأدنى الشكر أن لا تعصيه بنعمة .

٥٧

قوله : { إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [ ٥٧ ] قال : الخشية انكسار القلب من دوام الانتصاب بين يديه ، ومن بعد هذه المرتبة الإشفاق ، وهو أرق من الخشية ، واللطف والخشية أرق من الخوف ، والخوف أرق من الرهبة ، فلكل منها صفة ومكان .

٧٦

قوله : { فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [ ٧٦ ] قال : ما أخلصوا لربهم في العبودية ، ولا ذلوا بالوحدانية .

﴿ ٠